recent
أخبار ساخنة

أسد الدبلوماسية المصرية: قصة صعود بدر عبد العاطي من قلب الصعيد إلى قمة الخارجية







بقلم: أسماء مالك - أسوان

هناك رجال يسطرون قصص نجاحهم بأحرف من نور، لا يلتفتون إلى الصعاب، ولا تعيقهم الظروف. 

ومن قلب الصعيد المصري، وتحديداً من أسيوط، يبرز اسم رجل لم تكن بداياته توحي بأنه سيصبح يوماً أحد أبرز أسود الدبلوماسية المصرية.

 إنه السفير بدر عبد العاطي، الذي نسج قصة كفاح ملهمة، بدأت من دكان بسيط في قرية صعيدية، لتصل به إلى أروقة وزارة الخارجية، حاملاً معه إرثاً من الإصرار والعزيمة.


من أسيوط إلى القاهرة: رحلة طالب لا يعرف المستحيل

في 8 فبراير 1966 ، أبصر بدر عبد العاطي النور في محافظة أسيوط ، لأب كادح، الحاج أحمد عبد العاطي، الذي كان يمتلك دكاناً صغيراً يسعى من خلاله لتوفير لقمة العيش لأبنائه، وأم ربة منزل كرست حياتها لأسرتها. 

نشأ بدر في بيئة بسيطة، لكنها غنية بالقيم والأصالة. منذ نعومة أظافره، أظهر بدر نبوغاً لافتاً في دراسته، فكان طالباً مجتهداً، يحرص على مساعدة والده في الدكان خلال الإجازات، مدركاً قيمة الجهد والعرق.

لم يعرف بدر المدارس الخاصة أو اللغات، فكان تعليمه كله في المدارس الحكومية المجانية، التي صقلت شخصيته وكونت وعيه. وعندما حانت لحظة الانتقال إلى التعليم الجامعي، كان هدفه هو التفوق. 

التحق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ، حاملاً حلماً واحداً: أن يكون من الأوائل ليحصل على منحة التفوق والإقامة المجانية في المدينة الجامعية، ليخفف العبء عن كاهل والده. وبالفعل، لم يخذل بدر نفسه ولا أسرته، فكان طوال سنوات دراسته الأربع من أبرز طلاب الكلية، وحصل على منحة التفوق عاماً بعد عام، ليثبت أن الإرادة تصنع المعجزات.


صمود في وجه التحديات: بين أبناء السفراء والأغنياء

لم تكن رحلة بدر سهلة، ففي جامعة القاهرة، حيث يلتقي أبناء الطبقات المختلفة، وجد نفسه بين زملاء ينتمون إلى عائلات مرموقة، أبناء سفراء ووزراء وأثرياء. 

لكن هذه الفروقات لم تثنِ عزيمته، بل زادته إصراراً على النجاح. كان مصمماً على أن يثبت أن الموهبة والاجتهاد هما المعيار الحقيقي للتفوق، وليس النسب أو الثراء. تخرج بدر بتقدير جيد جداً ، ليفتح لنفسه أبواب المستقبل على مصراعيها.


من باحث إلى دبلوماسي: قصة نجاح بلا واسطة

بعد تخرجه، عمل بدر باحثاً في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، ليكتسب خبرة قيمة في مجال التحليل السياسي. 

لم يمضِ وقت طويل حتى أعلنت وزارة الخارجية عن فتح باب التوظيف. كان حلماً يراود الكثيرين، لكن بدر قرر أن يخوض التحدي، رغم أنه لا يملك واسطة أو معارف في هذا المجال الحساس. 

كانت عائلته بسيطة، لكن إيمانه بقدراته كان كبيراً.المفاجأة كانت مدوية: بدر عبد العاطي، الشاب الصعيدي الذي لا يملك سوى طموحه وعلمه، جاء الأول على دفعته في الاختبارات الشفوية والتحريرية، ونجح في جميع المراحل بجدارة . 

في عام 1989، عُين ملحقاً دبلوماسياً بوزارة الخارجية ، ليثبت أن الكفاءة وحدها هي التي تفتح الأبواب، وأن مصر تقدر أبناءها المخلصين.


في قلب الصراع: 4 سنوات في تل أبيب

كانت أولى محطات بدر الدبلوماسية الكبرى في تل أبيب، حيث عمل سكرتيراً ثالثاً في سفارتنا هناك لمدة أربع سنوات . 

لم تكن مهمة سهلة، ففي قلب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كان بدر مسؤولاً عن ملفين في غاية الأهمية: الشؤون الداخلية الإسرائيلية، وعملية السلام في الشرق الأوسط . 

خلال هذه الفترة، اكتسب السفير بدر عبد العاطي معرفة عميقة بإسرائيل، بطريقة تفكيرهم، وبأساليب عملهم. هذه الخبرة الفريدة كانت بمثابة كنز لا يقدر بثمن، ساعدته في مسيرته الدبلوماسية اللاحقة، وجعلته خبيراً لا يضاهى في هذا الملف الشائك.


 مسيرة حافلة: من طوكيو إلى واشنطن وأوروبا

بعد عودته من تل أبيب، عمل بدر لفترة في الوزارة، ثم انتقل إلى سفارتنا في طوكيو، حيث استمر في متابعة ملف عملية السلام في المنطقة، وأضيف إليه ملف إيران . 

من طوكيو، انتقل إلى واشنطن، ليتولى التنسيق مع الكونجرس الأمريكي ، في مهمة تتطلب دهاءً سياسياً وقدرة على بناء العلاقات. عاد بعدها ليتولى منصب مدير شؤون فلسطين في الوزارة ، ليصبح بذلك أحد أبرز الخبراء في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما أهله فيما بعد لتولي مناصب قيادية عليا، منها سفير مصر لدى ألمانيا، ثم سفير جمهورية مصر العربية لدى مملكة بلجيكا، ودوقية لوكسمبورج، ومندوبها لدى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو" . ويشغل حالياً منصب وزير الخارجية المصرية .


أسد الخارجية في مواجهة التحديات: حملات التشويه والإخوان

لم تكن مسيرة السفير بدر عبد العاطي خالية من التحديات. 

فمع كل نجاح يحققه في تمثيل مصر، كان يتعرض لحملات تشويه ممنهجة، خاصة من جماعة الإخوان الإرهابية. 

كان الإخوان يكرهون بدر عبد العاطي لأنه كان من أوائل الدبلوماسيين الذين أعلنوا تأييدهم لثورة 30 يونيو، وكان اسمه على رأس قوائم الاعتقالات التي أعدتها الجماعة لو فشلت الثورة. 

لكن هذه الحملات لم تزده إلا قوة وإصراراً على خدمة وطنه.


رجل العائلة: الجانب الإنساني في حياة الدبلوماسي

على المستوى الشخصي، السفير بدر عبد العاطي متزوج ولديه ثلاثة أبناء، يمثلون له السند والعون. 

ورغم صرامة العمل الدبلوماسي، إلا أن الجانب الإنساني في حياته كان حاضراً بقوة. كانت أصعب اللحظات التي مرت عليه هي وفاة والدته وأخيه الأكبر، وهما من كانا السند والعون له في بداية رحلته. 

لكنه تجاوز هذه المحن بصبر وإيمان، ليواصل مسيرته في خدمة مصر.


بدر عبد العاطي ليس مجرد دبلوماسي، بل هو رمز للإصرار والكفاح، وقصة نجاح تروى للأجيال، تؤكد أن العمل الجاد والإيمان بالوطن هما مفتاح الوصول إلى القمة، مهما كانت التحديات.

google-playkhamsatmostaqltradent