recent
أخبار ساخنة

"كي لا تتوه يا صاحبي: حكاية طالب في الدراسات الدنيا" / شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS
الصفحة الرئيسية

 









"كي لا تتوه يا صاحبي: حكاية طالب في الدراسات الدنيا"




كتبه الطالب الأسيف| عبدالرحمن الليث



قبل أن أبدأ بهذه الكلمة أرجو ممن يقرأ هذه السطور أن يعي شيئا مهما وهو: أن كلامي هو رأي شخصي لا يعبر عن أحد بقدر كونه معبرا عني، فلك أخذه ولك رده وطرحه، وأنت وشأنك!


وعلى ذلك خذ عني أمورا كي لا تضيع في ظلمات التيه؛ إن المتقدم للدراسات الدنيا يدور أمره على أمور وعلل:

أولها: شخص تقدم لا لشيء سوى الهروب من واقع هو واقع فيه ومفروض عليه، فيود أن يشغل حاله من باب الهروب من مشاكله، ومن باب آخر إشغال غيره معه في ذلك، فلا يهمه أن ينهي الدبلومة بنتيجة أو لا، بقدر قضاء أكثر الوقت في المحاضرات التي لا تلزمه أصلا، وقضاء التكليفات من باب شغل الوقت، وهكذا!

فإن خرجت النتيجة وحصل على درجة غير طيبة، حزن حزنا مؤقتا على مال أصرفه، وجهد ضيعه، ثم ما يلبث أن يخرج من ذلك كله، ويبحث عن هروب آخر، وفي واقع الحال هو لا يهمه الأمر كثيرا!

الثاني: هو من يبحث عن إيجاد نفسه، وتخطيط حياته فيما يبدو، فيدخل عبثا لا يهمه شيء أكثر من العبثية، فلا تجده في محاضرة ولا تكليف إلا قليلا، ولا يرى إلا يوم الامتحان، وهو من أنجح الناس في الغالب، وإن فشل في ذلك فلا يعبأ كثيرا بما حصل، ولعله يعيد الكرة في مجال آخر، وهذا لا يسير بمنطق معين سوى إن جاز التعبير: (ماشي بنور الله)

الثالث: هو شاب بعينه لا يقيم للدراسات العليا أي معنى، فقط يسير فيها على سبيل إيجاد شريك لحياته، ولأن الدراسات العليا تكتظ بالفتيات فتعد تربة خصبة لإيجاد الزوج المناسب، والنتيجة لا تهمه كثيرا بقدر النتيجة المرجوة من حصوله على الزوجة.

الرابع: هو شخص بعينه لا يقيم للدراسات العليا أي معنى، فهو يسير بوساطة: سواء كانت قربة بدكتور معين فيشفع له، أو كانت كان وساطة خارجية بسلطة عالية، ومع ذلك قد تجده يحضر كثيرا أو قليلا، وهناك من يحذو حذوه وإن لم تكن له وساطة، فيعمد إلى التطبيل والتعريض وربما إلى الوشاية صدقا كانت أو كذبا (العصفورة)، المهم أن يصل في ذلك إلى النجاح بكل وسيلة ممكنة، ومثل هذا تجده دائما يدندن في الدفاع عن الدكاترة بإطلاق سواء كان حقا أو باطلا، ومع الأسف قد يقع الكثير في ذلك إذا عرض عليه الأمر مقابل نجاحه!

الخامس: هو ذاك الشخص الذي يدور ليوجه نفسه إلى هذه المرحلة بقصده، فيود أن يسير في هذا الدرب ليصل إلى عمل معين، أو أن يرفع نفسه في عمله الذي يشغله، وهذا مع الأسف هو القسم المهدور نفسيا وجسديا، وهذا الشخص يتعرض في أصله لأكثر أنواع الظلم الذي لا يشعر به، إلا عند فوات الأوان، ففيه صنفين:

الأول: شخص جد واجتهد، وعمل ما يقدر عليه من جهد وكد وتعب، فنال سعيه وأكرمه ربه!

والثاني: هو بنفس حال الأول، وربما يكون واقعا بما يكون أفهم وأحفظ من الأول، ولكن لم يوفق لينال ما تعب فيه، فيحصل للأسف على درجات ضعيفة، بل قد يرسب كذلك، وهذا هو أكبر الخاسرين!

وقد يتخلل الصنفان أنواع أخرى تختلف باختلاف أحوالها وظروفها الشخصية.

وسواء اتفقنا أو اختلفنا فإن الشخص الخامس قد تقع فيه باقي الشخصيات الثلاثة الأُول ويتحولون إليه شعوريا، بسبب اختلاف الدوافع والمتغيرات على طول هذه الفترة، ولكن يبقى الاتفاق أن هذا الشخص الخامس، هو أكثر شخص يتعرض للضرر في تلكم الشخصيات جميعا!


وسواء كنت بأي وضع كان، فاعلم أن المَنحل الجامعي هو أفضل مقام أخلاقي وعلمي، وهو كذلك على النقيض تماما، أسوء بل قد يكون أقذر مقام أخلاقي وعلمي، وكما نقول أن أصابعك لا تشبه بعضها البعض، فكذلك القاعدة لا تعمم، والجامعة كالحياة ليس فيها رجل سوي بإطلاق، وكذلك ليس فيها رجل سيء بإطلاق، فالمرء منا فيه من الخير والشر الكثير، وهو يفاضل بينهما!

فتجد مثالا:

الأول: دكتور فاضل، صاحب علم وأدب، يضع العلم بين يدي طلابه عذبا زلالا، لا يكدره شيء من هموم الكلية؛ فإذا جلس على كرسي العلم أعطى لطلابه كما يعطي النهر للعطش؛ بما يكفيه ولا ينقص ذلك من عمله أو علمه شيئا، فهو شط لا ساحل له، ومع الأسف فهذا الشخص أعز من الكبريت الأحمر، فهو أندر من النادر، فلله دره لو نلت مثله معلما!

والثاني: رجل أسوء مما يجب أن يكون، استحوذت عليه سلطة الكراسي العلمية وركب هواه، فأتبعه جفاء في المعاملة، ودناءة وخسة في الطباع، فهو قد يتكلم بالعلم ما شاء الله له أن يكون، ولكن العلم لم يعمل فيه شيئا، فعنده من سلاطة القلب ما يربو على سلاطة اللسان، مصاب بداء السادية فيأخذ من طلابه ما لا يؤخذه طلابه منه، فتجده متعنتا في علمه وعمله، ويتبجح بهما في المجالس كأنه  أوتي عفريت من الجن، أو بجواره من عنده علم من الكتاب، مع أنه لربما شرح ولا تكاد تفقه قوله أو حديثه، فهو يرقص والطلبة أمامه يصفقون له، وربما شنفوه تطبيلا، وهذا لا حيلة معه إلا الدعاء أما بأخذه وإما بأخذه!

والثالث: هو من عينة الثاني، لكن اكتسب بعضا من الأخلاق فيما يبدو، وتراه يكلمك بالأخلاق والآداب، وهو ليس له فيها إلا ما بين حجرين متضاربين، فيحقر من طلابه ولكن بأدب أو إن جاز التعبير بقلة أدب، ولو أكرمك الله وسألك سؤالا شفويا، وأجبته لتجدن منه سكونا عجيبا، فينظر إلى عينيك المخضبة بالسواد، وأنت مضطرب كأنك موقوف  على جنة ونار، وهذا الرجل هو من سيعطيك صكوك الغفران، فتارة يعطي درجة من عنده بابتسامة صفراء لعينة، وتارة يخفي في نظرته مكر وخبثا عظيما، وكل هذا على هواه ومزاجه، فأنت معه بين فكي الرحى، وهذا تدعو له أو عليه وأنت وشأنك!

الرابع: وهو هذا الذي يعبر عن السفالة والاضمحلال الأخلاقي، والذي يتعامل بالمرائي الجنسية، فيعامل الفتيات معاملة خاصة، ويعامل الرجال معاملة نفور وبعد، مصاب مع الأسف بداء التخنث، وقد يكون حاصلا على كل شيء في درجات العلم، بل والأدب في ظاهره، وينطوي في مكامن قلبه على أحط مراتع للأخلاق، بل والأدهى من كل ذلك أن ترى الشيب يخترق منابته كلها، ولكنه كما يقولون في علم النفس يعيش مرحلة من مراحل المراهقة المتأخرة، أصلحنا الله وإياه!

وقد يكون بين هذه الأربعة صنوف متداخلة، فتأخذ من هذا وذاك، ولكن لا ينفك عمن ذكرتهم، وهذه الشخصيات لا علاقة له بالامتحانات، ولا تعبر عنها بأي وجه كان، فتجد أكثر الطلاب عندهم بعض الانتكاسات الأخلاقية، فليس مهما عندهم أن يكون أستاذهم مفيدا أو لا، أو صاحب خلق أو لا، بل أقول إنه لا يهمهم إن كان لابسا أم عاريا، ما دام سيعطينيا النجاح، فأي معايير أخرى ليست مهمة ولا تعبر عن أي شيء، وهذا أسوء ما قد يطوى عليه الفساد الإنساني، وهو الرضى بباطل محض في سبيل الحصول على منفعة، فتصبح المعيشة الجامعية أشبه بمادية حقيرة، والله المستعان!


وتأتي لطبقة أخرى تتعامل معها وهي طائفة الإداريين:

الأول: تجد عنده لباقة واحترام وذوق وأدب عالي، ويخدمك بعينيه، وهذا لن تجده البته إلا عند فوهة بركان!

الثاني: من جنس الأول، احترام ولباقة وأدب، فيما تراه ظاهرا، وينطوي في نفسه على أعظم من ذلك، من أمور أخلاقية، وربما يرتشي أيضا لتحقيق مصلحة ما لأحدهم!

الثالث: عفن اللسان، وسيء الأدب، وعنده ضمير يبيعه بفلسين، و يسير بالرشوة أينما حلت، بل ويزيد بجاحة ويطلبها، وهذه العينة مشهورة وقد تعين الطالب حقا في الامتحانات، فيدخل مثلا ليراجع المراقبين، وتجده يميل إلى أحدهم بإشارة، أو يميل إلى الطالب بورقة معينة ليس فيها شييء كثير سوى إجابة الامتحان!

والرابع: هو ذاك الإدراي الحاصل على العمادة، فهو كأنه الرئيس لمرؤوسيه، يجيد اللعب بمن حوله، وعنده من السلطة ما يخول له أن يغير درجات طالب ما من السقوط إلى النجاح، وهذا من لا خلاق عنده!


ويأتي كل هذا الكلام في نطاق غير النطاق، فإذا وضع الامتحان وحصلت على ما أريد: فالأستاذ هو أفضل أستاذ وتبدأ وصلات الدعاء له ولو كان لا يستحق، وإن رسبت: فالأستاذ ظالم وسيء وتبدأ وصلات الحسبنة والدعاء عليه، ناهيك عن مهازل التصحيح، وكذب الأساتذة على الطلاب، فترى أستاذا يقول لطلابه الامتحان إلكتروني ثم يتصل بأحدهم فيقول له غيرت الامتحان وجعلته مقاليا لتنجحوا وإلا لرسبتم، وهذا أمر بسيط إن كان الاتصال في ليلة الامتحان، وآخر يحذف فصولا وأبوابا، ثم تصدم بها في الامتحان بل هي الامتحان، وآخر يقول لك سأضع لكم القوانين لتسهل عليكم الحل ولا يأتي بشيء، وآخر يقول لك الامتحان سهل وبسيط وهو كذلك حقا، لكن التصحيح صعب وعسير، فعلى الطالب أن يشكل الحروف ولو كتب بالخط الديواني سيكون أفضل، وعليه أن يرفع الفاعل وينصب المفعول وإلا رسب!! وآخر لا يعرف في العلم العير ولا النفير ولم يحصل على مكانته إلا بالوساطة فهو الصنف المحبب للطلاب، فلا يهمه امتحان ولا حتى بيان، فهذا هو من يفرح به الطلاب، وأما الذي يقبع في آخر الزواية وهو ذلك الرجل الفاضل الذي يعمد بطالبه فلا يكون متعنتا ولا متزمتا فيضع الطالب تحت بساط الرحمة مع عدم الإفراط فيها، فينصف ويعدل ولو وجدته -لو وجدته- فاعلم إنك وجدت معجزة في زمن عزت فيه المعجزات وكبر عليه أربعا!

ومن المضحك المبكي:

لقد حكي لي من أثق فيه أن فتاة لم تذهب لامتحان الشفوي لأحد فحول الكلية، فحصلت معه على جيد جدا، جيدا جدا ياقوم وليس جيد ولا مقبول فضلا على أن يكون ض، وهو بنفسه من ينظر إليك وأنت تجيب على سؤاله، كأنك أجبته بشيء من طلاسم الصوفية، أو الشعوذات السحرية، وليس مجرد إجابة يسيرة، فلا يعطي لك درجة واحدة، ويمرر الورقة لغيرك، الذي لا يعرف الإجابة بل أقسم بالله أن لم يره طيلة السنة، ولم يعرف اسمه إلا قبل الامتحان، فتجد الأستاذ يساعده ويحثه، مع أن تكليفه لربما من يكتب لكم الآن هو من ساعده عليه، بل هو من قام به بنفسه، وهذا الفحل نفسه الذي يتبجح معك بالعضلات الفكرية، ويظن أن ما عنده وحي من السماء، ويظل يتكلم ويتكلم عن الحق والعدالة والإنصاف وأني وأني، وهو أكذب من حمار الدجال، ناهيك عن النقاشات معه، فمن أنت لتناقشه احفظ فقط أن 1+1= 5، وما أريكم إلا ما أرى!

وأقسم بالله غير حانث لو أخذت أعدد أمثال هؤلاء وما عندهم من العوار العلمي والتخلف الفكري ما كفاني مقال بل مقالات، ولكن هو يجلس ويقوم بسوط الدرجات اللعينة الذي يعذب به طلابه ومريديه!

وناهيك يا صاحبي عن هذا الأستاذ الفاضل الذي شاخ سنه، وشاب شعره، وهو يسب إحدى طالباته بدعوى التأديب، تخيل أن يسب طالبة وهي في مقام باحثة أكاديمية، هل تتخيل العقلية؟!

وهذا الإداري المرتشي الذي يعطي الورقة لأحدهم في اللجان، وفيها إجابة الامتحان، وغيره من يسهل ويسرب بالسماعات بعض المعلومات، وغيره من يوافيك في الحمامات بعفن الإجابات، وحدث عن ذلك ولا حرج!


وتظل وصلة المهزلة العلمية في ما يسمونه حرما جامعيا وصلة لا تنقطع ولو خرج أحدهم ودافع ونافح، فاعلم أن الشيطان يلعب في عقله، أو هو جاهل لا يدري بما يدور حوله، أو هو نفسه من أصحاب هذه المهزلة فيدفع عن نفسه التهمة، ويبقى الطالب _وأقصد بالطالب حقيقة الكلمة منها وليس مجرد كلمة تباع في أسواق المال والوساطة_ هو ذاك الذي يطحن ويعجن ويُسرق...، يتعرض لكل ضغط ممكن في حياته الاجتماعية بكل نواحيها، نتيجة ظلم بائن، وفكر سافل عن هوى مريض يتبعه شيطان مريد، ولا عزاء لي ولا لغيري من الطلاب إلا أن أنصحك يا صاحبي بنصحية أظنها تنفعك في زمن عز فيه الناصحين، وكثر فيه المتملقين:

إذا دخلت يا أخي هذا الحقل البربري، فاعزل نفسك عنه كلية، فلا يكن همك أن يكون لك رأي في أي قضية، ابتعد عن كل ما تراه، لو استطعت أن تغير اسمك فافعل، وإن اضطررت لأن تنخرط فلا تنفلت، ولا تبع نفسك لسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وإياك ولهث النساء خلفك فهو باب فتنة، وإياك والتودد والتلصق بأستاذ مهما كان شأنه، وليكن لسانك عفيفا خفيفا، ولو آثرت الصمت لكان أجدر بك، وإذا قررت أن تكمل فرتب أمرك واعزم عليه، وإياك أن تقرب نفسك لجامعة لأنها قريبة إلى جسدك، بل ابحث عن ما يريح نفسك وقلبك مهما ثقلت عليك المسافات ، فهذا أخف من أن تثقل على روحك مما ستجده من جراء هذه الجامعة، فابحث عن غيرها قبل أن ترمي نفسك في الوحل ولا تصحو إلا وأنت فيه أكثر مما هو فيك، وبعد كل ذلك أرجو ثم أرجو لك يا صاحبي أن تنجو!!



كتبه الطالب الأسيف| عبدالرحمن الليث

google-playkhamsatmostaqltradent