recent
أخبار ساخنة

الظلامية الدينية… حين يُشوَّه الدين باسم الدين /شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS
الظلامية الدينية… حين يُشوَّه الدين باسم الدين

 حسين السمنودي

في زمن تتصارع فيه الأصوات، ويضيع فيه الحق بين التشويش والتشويه، يقف الدين – وهو أقدس ما في حياة الإنسان – في مرمى نيران من يزعمون الدفاع عنه وهم في الحقيقة ألدّ أعدائه. الظلامية الدينية لم تكن يومًا مرادفًا للتدين، بل كانت دومًا انحرافًا عن جوهره، وسوء فهمٍ أو سوء قصدٍ يُلبس الباطل ثوب الحق.

الظلامية ليست ظاهرة جديدة على التاريخ، فقد عرفتها الأمم منذ قرون، وابتليت بها شعوب دفعت أثمانًا باهظة بسبب تحكم رجال ظنّوا أنفسهم أوصياء على الإيمان، فصادروا حرية العقل، وسجنوا الضمير، وسنّوا قوانين من وحي عقولهم ثم نسبوها إلى السماء. وهكذا تحول الدين في أيديهم إلى أداة قهر لا وسيلة تحرر، وإلى خطاب كراهية لا رسالة حب ورحمة.

وفي عالمنا العربي والإسلامي، لم يسلم الدين من هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم ناطقين باسم الله، بينما هم أبعد الناس عن مقاصده. تجد الواحد منهم لا يملك من العلم إلا قشوره، لكنه يُفتي، ويُكفّر، ويُحرّم، ويُجرّم، حتى أصبح الدين – في نظر البعض – سلسلة من الأوامر الصارمة والعقوبات القاسية، بلا روح ولا هدف.

وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك حين قال:
"إنما بعثتم ميسّرين، ولم تبعثوا معسّرين"،
فأين هؤلاء من التيسير؟ وأين هم من قول الله تعالى:
"يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"؟
هؤلاء يُغلقون أبواب الأمل، ويُضيّقون على الناس، ويُحرّفون الكلمة عن مواضعه، فينفر الناس من الدين وهم يظنون أنهم يُحسنون صنعًا.

وتتمثل خطورة الظلامية الدينية في أنها لا تُنتج فقط أفرادًا متشددين، بل تصنع بيئة كاملة تُعادى فيها الفنون، وتُحرَّم فيها العلوم، وتُطارد فيها الأسئلة. فبدلاً من أن يكون الدين منطلقًا للعقل والنور، يتحول إلى جدار يمنع الرؤية، وسقفٍ يُغلق على الفكر، فيغيب الاجتهاد، ويُمنع التجديد، وتُغتال حرية الرأي.

ولعل أكثر ما يؤلم في هذا المشهد، أن الكثير من الشباب يبحثون عن الحقيقة، ويحبون الدين في جوهره، لكنهم لا يجدون من يقدم لهم الصورة الصحيحة، فيقعون فريسة للتطرف أو للرفض الكامل، ويتيه الجيل بين التشدد والانفلات. وهذا هو التحدي الأكبر أمام المؤسسات الدينية الرشيدة اليوم: أن تُعيد بناء الوعي، وتُصحح المفاهيم، وتُظهر جمال الإسلام في سلوك عملي وإنساني.

ولن يكون هذا ممكنًا إلا من خلال شراكة حقيقية بين العلماء، والإعلام، والمدارس، والمساجد، والبيت، لنزرع في قلوب الأجيال حب الله لا الخوف منه، ونُعلمهم أن الدين ليس شعائر شكلية، بل سلوك راقٍ، ورحمة بالناس، وعدل في الحكم، وصدق في القول، ورفق في المعاملة.

إن أخطر ما يُمكن أن نواجهه اليوم ليس "الجهل بالدين" فقط، بل "الجهل المغلف بالدين"، وهو ما عبر عنه الإمام محمد عبده حين قال:
"قرأت في الغرب إسلامًا بلا مسلمين، ووجدت في الشرق مسلمين بلا إسلام."
فما أحوجنا إلى أن نعود للدين كما أنزله الله: نورًا، وهداية، ورحمة، وليس كما يُقدمه أدعياء الفضيلة من سدنة الظلام.

وختامًا، فإن الدين لا يحتاج من يُدافع عنه بالصوت العالي ولا بالتكفير ولا بالعنف، بل يحتاج من يُجسده في فعله، ويُحسن عرضه، ويُعلي قيمته في قلوب الناس. فحين يكون الدين نورًا في سلوكنا، سيُضيء وحده طريق الآخرين… ولن يكون للظلاميين مكان.
google-playkhamsatmostaqltradent