recent
أخبار ساخنة

الشيخ صالح المسعودي.. صوت البادية الأصيل وراوي حكايات الصحراء من قبيلة المساعيد بجلبانة/شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS


الشيخ صالح المسعودي.. صوت البادية الأصيل وراوي حكايات الصحراء من قبيلة المساعيد بجلبانة


حسين السمنودي

في زمن تتسارع فيه خطى الحداثة وتتبدل فيه معاني الانتماء، يبقى للبادية صوتٌ خاص، ينبض بالأصالة والعراقة، يأتينا محمولًا على سطور الأدب البدوي النقي. ذلك الصوت الذي لم يهادن ولم يُجامل، صوت اختار للكلمة مسارها الصادق النابع من القلب، إنه الكاتب البدوي الكبير، الشيخ صالح المسعودي، ابن قبيلة المساعيد العريقة، ابن قرية جلبانة بالقنطرة شرق — تلك البقعة التي صهرت شخصيته وألهبت وجدانه بحب الأرض والانتماء، وزرعت فيه روح البداوة، فأثمرت قلمًا يفيض حكمة ووفاءً وكبرياء.

الشيخ صالح المسعودي لم يكن مجرد كاتب، بل كان وما يزال شاهداً على عصر ورابطاً بين أجيال، حمل إرث البدو على كتفيه وصاغه في مؤلفات شكلت ذاكرة أدبية خالدة لكل من أراد أن يفهم فلسفة الحياة في البادية، ويفتش عن سر بقاء القبائل متماسكة رغم قسوة الطبيعة وغدر الزمن.

تميزت كتاباته بالسلاسة والصدق وارتباطها الوثيق بواقع القبيلة وأهل البادية، وكأن كلماته لا تُكتب على ورق، بل تُنقش على صفحات الذاكرة الشعبية. وقد تنوعت مؤلفاته بين الكتابة الأدبية الخالصة، والنثر الشعري الذي يحمل عبق الصحراء، وبين المقالات الاجتماعية والتحليلية التي نشرها في العديد من الجرائد والمواقع الصحفية والإخبارية، حيث استطاع أن يمزج بين عمق التحليل ودفء الشعور البدوي.

أبدع الشيخ صالح المسعودي في تسليط الضوء على قضايا مجتمعه البدوي، وظل صوته حاضراً بقوة في وسائل الإعلام المكتوبة، حيث كانت مقالاته تنشر في عدد من الصحف المصرية والعربية، لتفتح نافذة صادقة يطل منها القارئ على هموم البدو وتطلعاتهم، وعلى إرثهم الحضاري المتجذر، الذي طالما حاول أن يدافع عنه بالكلمة الحرة، واللغة النقية، والأسلوب الشيق الذي يجذب العقل والقلب معًا.

وفي مؤلفاته، وضع الشيخ صالح المسعودي لمسته الخاصة، حيث جسد حياة الصحراء بكل تفاصيلها، مستعرضًا حكايات الجدود، وأمجاد القبائل، وأخلاق الفروسية، وقيم الشهامة والنخوة، وتلك المبادئ التي ظلت تحكم البدو عبر الأزمان، محافظًا على الأمانة في سردها، بعيدًا عن المبالغة أو التشويه، ليخرج لنا أدباً صادقاً، نابضاً بالحياة، ممتلئاً بالحكمة والمعاني السامية.

إن ما يميز الشيخ صالح المسعودي، أنه لم يحصر نفسه داخل حدود القرية أو القبيلة، بل مدّ جسور فكره وقلمه نحو الساحة الصحفية والإعلامية، حيث كتب في عدة منصات مرموقة، وأصبح اسمه يزين مقالات تتحدث عن تاريخ القبائل، وعن واقعها الراهن، وعن تحديات الحفاظ على الهوية والثقافة في ظل تغيرات العصر. وكانت كلماته دائماً تتسم بالاتزان والدقة والوفاء للأرض التي أنجبته، وللناس الذين شكلوا شخصيته وإنسانيته.

كما أن مؤلفاته، التي وثقت الكثير من الجوانب الاجتماعية والثقافية لعالم البدو، تعتبر اليوم مرجعاً أدبياً وفكرياً لكل باحث عن التراث البدوي الأصيل، ولكل محب للأدب الشعبي النقي.

في كل نص يكتبه، يضع الشيخ صالح المسعودي بصمته الخاصة، ذلك الحس البدوي الذي يأسر القلوب ويفتح العقول، ذلك الحضور الأدبي الهادئ الواثق الذي يجعل القارئ يسافر في رحلة فكرية، وكأن الكلمة صارت خيمة من الأمان تظلّل من يلجأ إليها.

وفي النهاية، لا يمكن الحديث عن المشهد الأدبي البدوي دون ذكر اسم الشيخ صالح المسعودي، ذلك الكاتب الذي سَطّر في مؤلفاته ومقالاته سيرة وطن صغير اسمه البادية، ووطن أكبر اسمه جلبانة، وأمة أكبر اسمها الإنسانية.

التحية والتقدير لهذا القلم البدوي الحر، الذي خط اسمه في سجل الإبداع بمداد الوفاء للأرض والقيم.
google-playkhamsatmostaqltradent