recent
أخبار ساخنة

عالم لا مكان فيه للقيم الإنسانية / شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS
عالم لا مكان فيه للقيم الإنسانية
 
 حسين السمنودي

في زمنٍ تكسرت فيه كل القيم، وانسحقت فيه المبادئ تحت أقدام المصالح، نعيش اليوم في عالمٍ لا مكان فيه للإنسانية، عالم يبرر القتل، ويشرعن الظلم، ويغضّ الطرف عن المجازر طالما أن القاتل يحمل جنسية قوية، أو يرتدي بذلة رسمية ممهورة بالختم الأمريكي أو الإسرائيلي.

إن أمريكا التي تتشدق ليل نهار بشعارات حقوق الإنسان والديمقراطية، تمعن في دعم آلة القتل الصهيونية في غزة، تزوّدها بالسلاح، وتمنحها الغطاء السياسي، بل وتمنع أي إدانة دولية مهما بلغ حجم المجازر. الرئيس الأمريكي جو بايدن صرّح بوضوح: "الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل، ولها الحق الكامل في الدفاع عن نفسها."، وهو تصريح استخدم لتبرير آلاف الغارات الجوية التي دمرت الأحياء السكنية في غزة.

وفي قلب المجازر، تم قصف مستشفى المعمداني، ومجزرة جباليا التي تم فيها استخدام قنابل ضخمة أدت إلى تهديم منازل بأكملها على رؤوس سكانها. ومع كل ذلك، تخرج المتحدثة باسم البيت الأبيض قائلة: "لا نملك أدلة مستقلة تؤكد هذه الأرقام."، في تجاهل واضح لشهادات ميدانية من منظمات مثل "أطباء بلا حدود" و"الصليب الأحمر الدولي".

الدكتور توماس وايت، مدير عمليات الأونروا في غزة، قال في شهادته: "ما نراه هنا هو انهيار تام للنظام الإنساني، المدنيون ليسوا آمنين في أي مكان. لا مكان للنوم، لا ماء، لا طعام، لا كهرباء."

والصحفية الأمريكية نورمــــــــا كـــارفـــــي التي دخلت غزة سابقاً مع بعثات أممية، صرّحت: "ما تفعله إسرائيل ليس دفاعاً عن النفس، بل هو قصف ممنهج يستهدف البنية التحتية للحياة: المستشفيات، المدارس، المخابز، محطات المياه."

كما قال المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، البروفيسور مايكل لينك: "ما يحدث في غزة يمكن أن يُصنف قانونياً على أنه جريمة حرب، بل جريمة ضد الإنسانية، إذا استمر العالم في السكوت."

وفي الوقت الذي كانت فيه جثث الأطفال تنتشل من تحت الركام، جلس مجلس الأمن أكثر من خمس مرات عاجزاً عن إصدار قرار بوقف إطلاق النار بسبب الفيتو الأمريكي المتكرر. حتى أن أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش صرخ أخيراً: "غزة أصبحت مقبرة للأطفال."، لكن حتى هذه الكلمات ضاعت وسط ضجيج المصالح السياسية.

إن هذا الصمت ليس حياداً، بل تواطؤ. وإن إنكار الحقيقة ليس جهلاً، بل مشاركة في الجريمة. أصبح العالم لا يرى، لا يسمع، لا يشعر... طالما أن الدم المسفوك ليس غربياً.

غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل مرآة تعكس قبح هذا العالم، وتجعلنا نعيد النظر في معنى الإنسانية، والعدالة، وحتى الحياد.

هل يمكن لعالم كهذا أن يدّعي الحضارة؟ هل يمكن أن نؤمن بعد اليوم بشعارات حقوق الإنسان؟ لا، ليس بعد غزة. فغزة، رغم الألم، تُبقي جذوة الكرامة مشتعلة، وتُعلّمنا أن الإرادة قد تبقى حين تُهزم الجيوش، وأن الشعوب لا تموت مهما تكالب عليها الطغاة.
google-playkhamsatmostaqltradent