كتب : حمدى حسن عبدالسيد
يُعد شم النسيم من أقدم الأعياد التي يحتفل بها المصريون، إذ ترجع جذوره إلى أكثر من خمسة آلاف عام، إلى عصور الفراعنة حيث كان يعرف باسم "عيد شمو" والذي يعني "بعث الحياة". ومع مرور الزمن، حافظ المصريون على هذا التقليد العريق، ليصبح شم النسيم عيدًا قوميًا يحتفل به الجميع، مسلمين ومسيحيين على حد سواء، في مشهد يعكس وحدة النسيج الاجتماعي المصري وروح البهجة التي تعم البلاد.
يأتي شم النسيم في فصل الربيع، تحديدًا في اليوم التالي لعيد القيامة المجيد، ويصادف عادةً يوم الاثنين. ويخرج الناس في هذا اليوم إلى الحدائق العامة والمتنزهات والشواطئ، في مشهد مبهج تملؤه الألوان الزاهية وروائح الزهور وأصوات الأطفال.
من أبرز مظاهر الاحتفال بشم النسيم هي الأطعمة التقليدية الخاصة به، وعلى رأسها الفسيخ (السمك المملح)، والرنجة، والبيض الملون، والبصل الأخضر، والخس. هذه المأكولات ليست مجرد أطعمة، بل تحمل رموزًا متوارثة؛ فالبصل يرمز لطرد الأرواح الشريرة، والبيض الملون يرمز لبعث الحياة، وهي كلها طقوس تعود لأصول فرعونية.
يرتبط شم النسيم بالطبيعة بشكل وثيق، فهو عيد يحتفي بتفتح الزهور، وصفاء الجو، وتجدد الحياة. لذلك يحرص الناس على الخروج من البيوت، والتواصل مع الطبيعة، وتجديد طاقتهم مع بداية موسم جديد. وتعتبر هذه المناسبة فرصة للتأمل، والصفاء النفسي، ولمّ شمل الأسر.
شم النسيم في الثقافات المختلفة
رغم أن شم النسيم له جذور فرعونية خالصة، إلا أنه استطاع أن يتسلل إلى مختلف الثقافات المصرية المحلية في مصر، فنجد لكل منطقة طابعها الخاص في الاحتفال. ففي الريف مثلاً، يقام الإفطار الجماعي في الحقول، بينما تنظم المدن فعاليات فنية وشعبية في الشوارع والحدائق، مثل عروض التنورة، والموسيقى، والمهرجانات الصغيرة.
ورغم التطور الكبير الذى شهده المجتمع المصري، بقي شم النسيم أحد الأعياد القليلة التي لا تتغير تقاليدها كثيرًا. وما زال يحمل الطابع الشعبي ذاته، ويُعَدّ فرصة حقيقية للهروب من روتين الحياة اليومية، واستعادة البهجة والاحتفال بالحياة