recent
أخبار ساخنة

سجناء مدي الحياة /شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS

سجناء مدي الحياة 

✍🏻 ك. م. د


مررتُ في الطريق وحدي، وأنا لا أعرف إلى أين أذهب، ولا كم الساعة.
مشيتُ طريقًا طويلًا حتى ظننت أنني قد ضللت طريقي.
وفي أثناء سيري، أوقفني صوتُ زئيرٍ عالٍ وصوتُ بكاءٍ شديد.
وقفتُ لحظةً لأتأكد: أهو وهمٌ أم حقيقة؟
لكنها كانت أصواتًا حقيقية، يزداد رنينها في أذني.

فإذا بها امرأةٌ جميلة، تبدو عليها ملامحُ الإجهاد والتعب، تبكي أمام قفص الأسد بصوتٍ عالٍ،
وهو ينظر إليها ويزأر، ويزأر أكثر كلما زاد بكاؤها،
وكأنني أمام مشهدٍ تلفزيوني من فيلم خيالٍ علمي، لا أُصدق ما أراه أمامي.

سألتها: ما بكِ؟ ولماذا تبكين كل هذا البكاء؟
قالت: أبكي على الأسد، وهو يبكي عليّ.
فنحن متشابهان، نشعر ببعضنا البعض.
هو مُحتجز داخل قفصٍ من حديد، وأنا مسجونة داخل منزلٍ جدرانه من طوب، لا أستطيع أن أخرج منه.
مثلي مثل هذا الأسد الذي لا يستطيع أن يتحرر.
كلانا محكوم علينا بالسجن مدى الحياة.

هو يتحكم به مدربه، وأنا يتحكم بي أيضًا مُدرّبٌ محترف.
نأكل ونشرب، لكننا لا نعيش، ولا نملك حرية الاختيار.
أدركتُ للحظة، وقبل أن أُكمل سؤالي لها...
قلت: أتقصدينَ؟!!!
قالت: نعم، أقصد زوجي.
حياةٌ مفروضة، وواقعٌ ليس من اختيارنا، وإقامةٌ جبرية مدى الحياة.

شعرتُ أن الكلام توقف في حلقي، ودموعي احتبست في عيني.
وفجأة، سمعتُ صوتًا غليظًا جهورًا يُناديها لتذهب معه،
صوتٌ أيقظ انتباهي من حدته.
كانت تمشي معه كل خطوة، وهي تنظر إليّ وتنظر إلى الأسد،
تستغيث بنا وتودعنا في نفس الوقت، وداعًا أخيرًا،
وكأنها ستُفارق الحياة، أو ستذهب إلى العذاب والجحيم.

وبعدما ذهبت، نظرتُ إلى الأسد الذي كان يزأر بصوتٍ عالٍ جدًا،
كأنه يصرخ حزنًا على فراقها،
شاعرًا بالضعف لعدم قدرته على الخروج من قفصه لإنقاذها.
ومضيتُ طوال طريقي أشعر بالأسى والحزن والذنب تجاههما.
لن أنسى نظراتهما لي،
كانت نظراتُ لوْمٍ، وحزنٍ، وحسرةٍ، وعتابٍ في وقتٍ واحد.
أدركتُ وقتها مدى ضعفي، خجلت من نفسي.

بكى الأسد على حزنها بعدما أزعجه صوت بكائها،
تمنى أن يكون بجانبها ليمسح بيده دموعها.
كان يشتد زئيره كلما نظر في عينيها.
كم كانت تُعاني من شدة آلامها، واحتباسها بين جدرانها.
قصةٌ غريبة، وحياةٌ مريرة،
قصةٌ ليس لها بداية ولا نهاية.

google-playkhamsatmostaqltradent