recent
أخبار ساخنة

"ماذا بعد اللقاء "/شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS

"ماذا  بعد اللقاء  "

✍🏻 ك. م. د

نظرتْ من شُرفةِ غرفتِها التي كانت تُطِلُّ على النيل،

فكم من منظرٍ جميلٍ، وهواءٍ نقيٍّ أجمل.
وجدتْ نفسَها في منزلٍ جميلٍ واسع، كما كانت تتمنى يومًا...
ولكنها لا تتذكَّر كل شيءٍ مرَّ بها في حياتها،
تتذكر مشاهدَ وأشخاصًا من حينٍ لآخر،
لا تعلم أين رأتهم، ولا متى، ولا من هم.
وعندما تُنهَك، وتدور بها الدنيا بين الواقع والخيال،
تتوقَّف عن التفكير والتساؤلات التي تدور بداخلها،
لتنظُر مرةً أخرى إلى جمالِ النيل وأمواجِه ولونهِ ونقائِه من شُرفةِ غرفتِها.

نعم، فقد كان النيل يُنسيها كلَّ شيء،
وهي تستنشق هواءَه النقيَّ الرائع، ونسماته اللطيفة بهدوء،
ليمتلئ صدرُها به.
وفي يومٍ من الأيام، كانت تجلسُ وحدها، كعادتها، في الشُرفة،
متأملةً النيلَ وأمواجَه وهدوءَه ورائحتَه ونسماتِه الرقيقة،
رأتْ رجلاً كبيرًا من بعيد، يقف أمام النيل، وفجأة...
صرختْ بأعلى صوتها مناديةً عليه:
أيها الحكيم! أيها الحكيم!
تذكَّرتْه، فهو حكيمُ حياتِها، ماضيها، وحاضرُها.
لا يراهُ أحدٌ غيرها.

نزلتْ من بيتِها تجري مسرعة، مناديةً بأعلى صوتها على حكيمها.
وعندما وصلتْ إليه، قالت بعد أن تنفستْ بعمق:
أين كنتَ أيها الحكيم؟
في أيِّ زمنٍ أنا؟ وماذا حدث لي؟
هل أعيش في الماضي أم في الحاضر؟
من هؤلاء الأشخاص الذين أتذكَّرُهم؟
وما الأحداث التي مرَّت بي؟

قال الحكيم: ماذا تتذكَّرين؟
قالت: أتذكَّر فقط لقاءً... أجملَ لقاءٍ كنتُ أتهيأ له،
وأعدُّ الساعاتِ والدقائقَ والثواني للقائه.
قال: مع منْ كان هذا اللقاء؟
قالت: مع أجملِ رجال الأرض... لا، بل مع ملاكٍ على هيئةِ بشر.
كان يُواعدني بلقائه يومًا،
وكل يومٍ يمرُّ بي، أقترب من يوم لقائهِ الموعود.
هذا ما أتذكَّرُه، ولا أنساهُ يومًا، ولا لحظة.
ولكني لا أتذكَّر في أي زمنٍ قابلتُه.
وجدتُ نفسي فجأةً هنا، في زمنٍ غريب، وأناسٍ أغرب،
وأنا لا زلتُ أشتاقُ لهذا اللقاء.

ماذا أفعلُ أيها الحكيم؟
أرجوك... لا أريد منك إلا لقائَه ولو مرةً واحدة.
لا زلتُ أراه في منامي،
وأحلم بلقائه كلما مرَّت أيامي.
اعتدتُ منك على تحقيقِ أحلامي،
وإحساسِكَ بوجعي وآلامي.

فجأةً، ثارت أمواجُ النيل، وقال لها النيل:
"لو قبلتِيه مرة، ستتعطشينَ للقائِه كل مرة،
كما تتعطشين لشُربِ مائي.
لكن الفرقُ بيننا أنني مُتاحٌ لكِ، موجود،
أما هو، فلن يستطيع أن يوفيَ لكِ كل الوعود.
فالآن، لا تملكينَ إلا الدعاء لربِّ الوجود،
أن يمنحكِ القدرةَ لتخطي كلِّ الحدود،
وتحقيقِ حلمكِ لهذا اللقاءِ الموعود."

سأظلُّ ما تبقَّى من عمري،
أتمنَّى لقائَه ولو مرة،
لأتخلَّصَ مما في قلبي من حَسرة،
لأتحول من أسيرةٍ إلى حُرَّة.
(حقًا، فقد توقَّف زمني عند لقائه).


google-playkhamsatmostaqltradent