بقلمي/ مصطفى عبدالله
حينما تتأمل في بحر العلاقات الإنسانية، تكتشف أن هناك نوعا من الأشخاص الذين يغرقونك في وعودٍ مستحيلة، يحسنون العرض، يقنعونك بكلماتهم، ويزرعون فيك الأمل بأسلوبهم الملتوي.
هؤلاء المتصنعون، الذي يخيل إليك أنهم يحملون بين أيدهم طوق النجاة، في حين أنهم يرسلونك بعيدا عن الشاطئ في البحر نفسه الذي غرقوا فيه.
مع مرور الوقت، ينكشف هؤلاء المتصنعون، وتذبل الابتسامة التي كانت تزين شفاههم حينما تصطدم الحقيقة بهم.
الود الذي نسجوه بكلمات مزخرفة يتلاشى كغيمة في سماء صافية عند أول اختبار حقيقي.
لا يدركون أن الود لا يستحضر بالكلمات المعسولة أو الوعود الزائفة، بل هو مرآة النفس التي تعكس صدق الفعل ونقاء المشاعر.
وبينما يظن المتصنعون أنهم يجيدون فن إظهار الود، إلا أنهم لا يدركون أن تلك الأقنعة التي يضعونها سرعان ما تسقط مع أول هبة من الرياح، ليكتشف الآخرون أن ما كان يبدو كطوق النجاة ليس سوى حبل وهمي، ينقطع عند أول تماس مع الحقيقة.
ينسجون قصصا عن علاقات متينة وروابط قوية، لكن حقيقتهم لا تتعدى الشكل الخارجي الذي يتلاشى عند أول اختبار للصدق.
وعندما تنكشف الحقائق، يبدأ الوهن في التسرب، فتتكسر الأقنعة ويختفي الود الزائف كما يذوب السراب في الهواء.
ومع ذلك، يبقى أولئك المتصنعون في دائرة مغلقة، لا يرون من حولهم إلا بمقياس مصلحتهم الشخصية.
يعجزون عن فهم أن الود الحقيقي لا يقاس بما يقال، بل بما يفعل.
فالكلمات الجميلة لا تعوض عن الأفعال، ولا يصمد أي وعد إذا كان مدعوما بالكذب والخداع.
وعندما يصطدمون بالجدران الحقيقية للأفعال، يصدمون بالفراغ الذي تركوه وراءهم.
تظل العلاقات الحقيقية تنمو وتزدهر بأشجار من الصدق، بينما تموت روابطهم في صمت، مثل زهرة لا تجد لها مكانا في أرض قاحلة.
الود لا يحتاج إلى مساحيق تجميل، ولا إلى تزيين مزيف.
الود الحقيقي هو أن تكون حاضرا بقلبك وعقلك، هو أن تظل مخلصا عندما يغيب الجميع، أن تدعم وتساند حتى في أصعب اللحظات، وأن تكون الأفعال هي اللغة التي تتحدث بها بدلا من الكلمات الفارغة.
ويبقى السؤال:
هل يدرك المتصنع أن الود لا يشتري بالكلمات المعسولة ـ أم سيظل محاصرا في دائرة الزيف، غير قادر على التمييز بين الحقيقة والوهم؟
وفي النهاية، الود الحقيقي لا يظهر في الكلمات، بل في الأفعال.
العلاقات المبنية على الصدق والوفاء هي التي تستمر، بينما تذبل تلك القائمة على الزيف.
فلتكن أفعالك مرآة لصدقك، ونيتك دليلا على إخلاصك، لتظل روابطك حية ونابضة بالوفاء.
#دكتور_مصطفي_عبدالله
@إشارة