recent
أخبار ساخنة

البيت المحروق ألم يعتصر القلوب /شيفاتايمز

البيت المحروق
ألم يعتصر القلوب 

حسين السمنودي 

في غزة، حيث لا ينام الألم، وحيث الدمار صار لغة تتحدثها الشوارع، وقف هناك طفل صغير أمام بيته المحترق. كان البيت بالأمس يعج بالحياة، بضحكات أمه وهي تعد الطعام، بصوت أبيه وهو يرتل آيات القرآن، بأصوات إخوته وهم يتشاجرون ثم يتصالحون سريعًا. لكنه اليوم لم يعد بيتًا، صار كومة من الركام، مجرد أثرٍ لما كان يومًا ملاذًا دافئًا يحتضنهم من برد الدنيا وقسوتها.

كانت ألسنة اللهب تتراقص في الظلام، كأنها تحتفل بمأساة جديدة، بينما وقف الطفل عاجزًا أمام المشهد، ينظر إلى بيته الذي كان جنتهم الصغيرة وسط هذا الجحيم، يتحول إلى رماد أمام عينيه. لم تكن النار وحدها هي التي التهمته، بل كانت هناك نيران أخرى، أشد قسوة وأشد فتكًا، نيران الذكريات التي لن تعود، والأحلام التي احترقت قبل أن تتحقق، والضحكات التي انطفأت مع آخر نفس للبيت.

كان كل شيء هناك يحمل جزءًا من روحه. الجدران التي امتلأت بألوان رسوماته الطفولية، الباب الذي كان يركض إليه كل يوم عند عودة والده من العمل، النافذة التي كانت تطل على الأفق البعيد حيث كانت أمه تخبره أن المستقبل هناك… كل شيء كان جزءًا منه، والآن… لم يبقَ منه إلا الدخان والرماد. كان يسمع صوت الخشب وهو ينهار، كأنه يئن من الألم، كأنه يبكي على نفسه، وعلى ساكنيه الذين كانوا بالأمس يملأونه حياةً وحبًا وأملًا.

وقبل أن تلتهم النيران البيت تمامًا، لمح بين الدخان لعبته الصغيرة، دميته التي كان يحتضنها حين يشعر بالخوف، وحين اقترب منها، وجدها مغطاة بالتراب، محترقة الأطراف، كأنها صارت انعكاسًا لحاله… طفلٌ فقد كل شيء، حتى اللعب لم تسلم من الموت في غزة.

النار لا تلتهم الخشب وحده، بل تلتهم جزءًا من القلب، جزءًا من العمر، جزءًا من الحياة. وحين انطفأت النيران، لم يبقَ إلا الصمت، صمتٌ يصرخ في أذنيه، يخبره أن البيت الذي كان يومًا مأوى لأحلامه، قد تحول إلى قبرٍ مفتوح، قبرٍ لا جدران له، لا سقف يحميه، فقط أنقاض مبعثرة، تحمل رائحة الفقد.

رحل البيت كما رحلوا، كأنه رفض أن يبقى بعدهم، كأنه قرر أن يلحق بهم، أن يصير ذكرى كما صاروا. والآن يقف هناك، في غزة، في قلب الجرح المفتوح، ينظر إلى السماء، يبحث عن إجابة، يبحث عن سبب، يبحث عن معنى لكل هذا الألم، لكنه لا يجد إلا الدخان… ورائحة الرماد…
google-playkhamsatmostaqltradent