recent
أخبار ساخنة

أنا ربكم الأعلى ترامب: وهم الألوهية والاستعلاء في السياسة الدولية/شيفاتايمز




أنا ربكم الأعلى
 ترامب: وهم الألوهية والاستعلاء في السياسة الدولية

د/حسين السمنودي 

عندما تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، لم يكن مجرد رئيس آخر في تاريخ بلاده، بل بدا وكأنه يعتبر نفسه حاكمًا مطلقًا للعالم، يتصرف وكأن الأرض ومن عليها ملك يديه. تبنى نهجًا سلطويًا استعلائيًا، يتعامل مع الدول، سواء الصديقة أو العدوة، وكأنها مجرد دمى في مسرحه السياسي. لم يكن الأمر مجرد ممارسة لسياسات القوة التقليدية التي تنتهجها الولايات المتحدة، بل تجسد في شخصية رجل يرى نفسه فوق الجميع، ويهدد كل من يعارضه، سواء كانوا رؤساء دول أو حكومات، أو حتى منظمات دولية ووسائل إعلامية.

ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، لم يخفِ ترامب احتقاره للأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط، حتى تلك التي كانت واشنطن تعتبرها "حليفة". تعامل مع مصر بمنطق الإملاءات والضغوط، خصوصًا فيما يتعلق بملف صفقة القرن والتسويات الإسرائيلية-الفلسطينية، مهددًا بقطع المساعدات العسكرية والاقتصادية ما لم تسر الأمور وفق مخططه. أما الأردن، فقد تعامل معه وكأنه تابع صغير يجب أن يذعن للأوامر الأمريكية، خاصة فيما يخص وضع القدس ونقل السفارة الأمريكية إليها، ضاربًا بعرض الحائط جميع التحذيرات من تداعيات هذه الخطوة.

أما غزة، فقد شهدت في عهد ترامب أشد موجات الضغط الأمريكي، حيث أوقف المساعدات الأمريكية لوكالة "الأونروا" في محاولة لخنق الفلسطينيين اقتصاديًا، بينما منح إسرائيل حرية مطلقة في القتل والتدمير، مع دعم غير مسبوق للاستيطان وضم الأراضي، في مشهد جعل نتنياهو يبدو وكأنه موظف لدى الإدارة الأمريكية وليس رئيس حكومة مستقلة.

ولم يسلم الاتحاد الأوروبي من استعلاء ترامب، فقد اعتبر الدول الأوروبية مجرد مستفيدين من الحماية الأمريكية دون مقابل، وهددهم مرارًا بالخروج من حلف الناتو، وفرض عليهم سياسات تجارية قاسية، لمجرد أنهم رفضوا الانصياع لنهجه العدواني تجاه الصين وإيران. كانت ألمانيا وفرنسا تحديدًا الأكثر استهدافًا، حيث سخر من قادتهما، واستخدم لغة الإهانة حتى مع أقرب حلفائه.

بريطانيا، التي كانت تأمل في دعم أمريكي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وجدت نفسها في موقف التابع الذي يتلقى الأوامر، حيث ضغط ترامب على الحكومة البريطانية للابتعاد عن الصين، خاصة في ملف شركة "هواوي"، وجعل لندن مجبرة على السير في ركابه حتى وإن تعارض ذلك مع مصالحها.

وبالرغم من ادعائه اتخاذ موقف صارم ضد روسيا، فإن ترامب كان يدير علاقة غامضة مع بوتين، فقد فرض عقوبات على موسكو، لكنه في الوقت ذاته أبدى إعجابًا علنيًا بالرئيس الروسي، وتجاهل تقارير استخباراتية عن تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية. بدا الأمر وكأنه مسرحية هزلية، حيث يتظاهر ترامب بعداء روسيا في العلن، بينما يغازلها في الخفاء، سعيًا وراء صفقات ومكاسب سياسية.

وكان ترامب أكثر عدوانية تجاه إيران، حيث انسحب من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات مشددة، وهدد بحرب شاملة، لكنه في النهاية لم يستطع تحقيق أي مكسب حقيقي، بل عزز نفوذ طهران الإقليمي. أما كوريا الشمالية، فقد انتقل من تهديد كيم جونغ أون بالدمار الكامل إلى وصفه بالصديق العزيز، في مشهد يجسد التخبط والانفصال .

ولم يكن ترامب يكتفي بإهانة الدول والزعماء، بل امتدت نزعة الاستعلاء لديه إلى وسائل الإعلام، حيث اعتبرها "عدو الشعب"، وحاول قمع أي صوت معارض، مستخدمًا تويتر كسلاح للهجوم على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية الكبرى. لم يكن يطيق النقد، حتى لو جاء من داخل البيت الأبيض، مما جعله يدخل في صدامات مستمرة مع الأجهزة الأمنية والقضائية في بلاده.

ولم يكن ترامب رئيسًا تقليديًا، بل كان نموذجًا لحاكم يرى نفسه فوق القانون، يوزع التهديدات، ويتعامل مع العالم وكأنه حاكم مطلق. لكن كما سقط الطغاة من قبله، انتهى حكمه بالفوضى والتمرد الداخلي، حيث ترك خلفه أمريكا منقسمة، واقتصادًا مترنحًا، وعلاقات دولية متوترة. ورغم محاولاته للعودة، فإن العالم قد شهد سقوط وهم الألوهية السياسية التي حاول أن يجسدها.
google-playkhamsatmostaqltradent