حسين السمنودي
سيناء، تلك الأرض الطاهرة التي شهدت على مر العصور صراعًا دائمًا بين الطامعين والمدافعين، لم تكن يومًا مجرد قطعة أرض، بل كانت ولا تزال مفتاح الأمن القومي المصري. فمنذ عهد الفراعنة، مرورًا بالغزو الصليبي والاحتلال العثماني والاستعمار البريطاني، وصولًا إلى الاحتلال الإسرائيلي، كانت سيناء دائمًا مستهدفة، ليس فقط لموقعها الاستراتيجي ولكن أيضًا لثرواتها الطبيعية وجذورها التاريخية العريقة.
ورغم استعادتها بعد نصر أكتوبر 1973، إلا أن العدو لم يتوقف عن محاولة اختراقها بأساليب جديدة، مستغلًا الجماعات المتطرفة، والإرهاب، والشائعات، والتخريب الممنهج لزرع الفوضى، ومنع التنمية، وإفقاد مصر السيطرة عليها. لقد تغيرت أدوات الحرب، لكنها لم تتوقف، بل ازدادت شراسة، وأصبحت أكثر خطورة من أي وقت مضى.
إن سيناء هي البوابة الشرقية لمصر، تربط بين قارتين، وتشرف على أهم الممرات المائية في العالم، حيث تتحكم في الملاحة عبر قناة السويس، وتتمتع بحدود طويلة مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما جعلها محط أنظار العدو الصهيوني منذ عقود. الكيان الصهيوني يدرك جيدًا أن السيطرة على سيناء تعني خنق مصر اقتصاديًا وعسكريًا، وفتح المجال لتوسيع نفوذه في المنطقة.
لذا، لم يكن احتلالها في 1967 مجرد حرب تقليدية، بل كان جزءًا من مخطط استراتيجي يسعى إلى ضمها بالكامل، وهو ما ظهر جليًا في طرح مشروع "إسرائيل الكبرى"، الذي كان يهدف إلى جعل سيناء جزءًا من الدولة العبرية، عبر مخططات التهويد وتغيير الهوية السكانية، وإقامة مستوطنات إسرائيلية فيها. لكن هذه الأحلام تحطمت على صخرة الصمود المصري، الذي استعاد الأرض بالدم والنار في حرب أكتوبر، ثم بالعمل الدبلوماسي عبر معاهدة السلام.
ورغم انسحاب إسرائيل من سيناء، فإن أطماعها لم تنتهِ، بل تغيرت أساليبها، إذ لجأت إلى دعم جماعات متطرفة وإرهابية، تحاول جعل سيناء ساحة للفوضى، كي تبقى مصدر قلق دائم لمصر، وتجبرها على الانشغال بتأمين حدودها بدلاً من التركيز على تنميتها.
ومنذ سنوات، تحاول التنظيمات الإرهابية المدعومة من قوى خارجية أن تجعل من سيناء معقلًا لها، مستهدفة الجيش والشرطة والمدنيين، بهدف إشاعة الفوضى وزرع الخوف، وإبقاء المنطقة في حالة عدم استقرار دائم. لكن الجيش المصري أثبت أنه قادر على مواجهة هذه المخططات، عبر عمليات عسكرية دقيقة أسقطت شبكات الإرهاب، وكشفت عن خيوط المؤامرة التي تمتد إلى خارج الحدود.
إن استهداف سيناء بالإرهاب ليس عشوائيًا، بل هو جزء من خطة لإضعاف مصر، وجعلها تفقد سيطرتها على أرضها، وإجبارها على قبول حلول تضر بأمنها القومي، مثل فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء كجزء من ما يُعرف بصفقة القرن، وهو المشروع الذي رفضته الدولة المصرية جملةً وتفصيلًا، وأكدت أن سيناء مصرية، ولن تكون أبدًا بديلاً عن فلسطين.
وإلى جانب موقعها الاستراتيجي، تتمتع سيناء بثروات طبيعية هائلة، من المعادن إلى الغاز الطبيعي، ومن السياحة إلى الأراضي الزراعية الخصبة، ما يجعلها منطقة غنية قادرة على تحقيق نهضة اقتصادية كبرى. ولهذا، فإن أعداء مصر يسعون إلى عرقلة أي جهود لتنميتها، لأنهم يدركون أن سيناء القوية تعني مصر القوية، وهو ما لا يخدم مصالحهم في المنطقة.
ولكن الدولة المصرية لم تتوقف عن تنمية سيناء، رغم كل التحديات، فقد تم إطلاق مشروعات كبرى لربطها بالوادي، وتوسيع الرقعة الزراعية، وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة، وإقامة مصانع ومناطق صناعية، بالإضافة إلى مشروعات البنية التحتية التي تعزز من ربط سيناء بباقي المحافظات المصرية.
ورغم كل المحاولات، تظل سيناء مصرية، عصية على كل الذئاب والكلاب البشرية التي تحاول افتراسها. فالتاريخ يؤكد أن مصر لا تفرط في أرضها، وأن أي محاولة للمساس بأمن سيناء ستواجه بردٍّ قاسٍ. لقد سالت دماء الشهداء على رمالها دفاعًا عنها، وستظل دائمًا محمية بإرادة أبنائها، وقوة جيشها، وعزيمة شعبها.
فمهما حاول الطامعون، ومهما تغيرت أساليب الحروب، ستبقى سيناء بوابة مصر الشرقية، ومفتاح أمنها القومي، وستظل دائمًا شوكة في حلق كل من يحاول المساس بها.