recent
أخبار ساخنة

قبل الموت وبعده: مصير الإنسان بين الدنيا والآخرة/شيفاتايمز


قبل الموت وبعده: مصير الإنسان بين الدنيا والآخرة

د/حسين السمنودي 

الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا يختلف عليها اثنان، وهو المصير الذي ينتظر كل حي على وجه الأرض، مهما طال عمره أو بلغ مجده. ومع ذلك، يظل الموت اللغز الأكثر غموضًا، والرحلة التي لا يعود منها أحد ليخبرنا بتفاصيلها. ورغم ما ورد في الكتب السماوية عن الحياة بعد الموت، إلا أن الإنسان يبقى في حالة من التأمل والرهبة أمام هذا المصير المحتوم.

قبل الموت، يعيش الإنسان حياته بين الطموحات والأحلام، يسعى نحو النجاح، يتعلق بالأمل، يحارب من أجل البقاء، يفرح ويحزن، يحب ويكره، يخطئ ويتوب. لكن في وسط هذا الصخب، يغفل الكثيرون عن حقيقة أنهم مجرد عابرين في هذه الدنيا، وأن الحياة ليست سوى محطة مؤقتة. يمضي الإنسان أيامه معتقدًا أن لديه متسعًا من الوقت، فينشغل بجمع المال، والسعي خلف الملذات، ويتناسى أن لحظة النهاية قد تأتي فجأة، دون سابق إنذار.

وحين تأتي ساعة الرحيل، تنكشف أمام الإنسان الحقائق التي غابت عنه طوال حياته. في لحظة الاحتضار، يدرك أن الدنيا كانت مجرد سراب، وأن كل ما جمعه لن يصحبه إلى القبر. يرى الإنسان بعينه كيف تتساقط كل الألقاب والمناصب، وتصبح الثروات التي سعى إليها بلا قيمة. في هذه اللحظة، يدرك الحقيقة الكبرى: أن ما يبقى معه هو عمله فقط، وأن الخير الذي فعله هو ما سيضيء طريقه بعد الموت، بينما الذنوب ستثقل كاهله في الحساب.

بعد أن تصعد الروح إلى بارئها، يبدأ الإنسان رحلة جديدة في عالم مختلف، عالم البرزخ، حيث تنقسم الأرواح بين السعادة والشقاء. فالمؤمن ينام قرير العين في روضة من رياض الجنة، بينما يعاني الظالم والمذنب في حفرة من حفر النار. وهذا ليس إلا مقدمة لما هو أعظم يوم القيامة، حيث الحساب العادل، والميزان الذي لا يظلم أحدًا. هناك تتجلى العدالة الإلهية المطلقة، فيأخذ كل إنسان جزاءه، ويُكشف الستار عن الأعمال التي أخفاها البشر عن بعضهم البعض.

من عاش حياته في طاعة الله، وكان للخير نصيب في أعماله، وجد بعد الموت ما تقر به عينه، حيث النعيم الأبدي، والراحة التي لا تعب بعدها. أما من عاش في غفلة، وأعرض عن الحقيقة، فسيجد أمامه ما لم يكن في حسبانه، حين لا ينفع الندم، ولا مجال للتوبة.

وفي النهاية، يظل السؤال الأهم: كيف نعيش قبل الموت؟ إن الإجابة عن هذا السؤال هي التي تحدد مصير الإنسان في الآخرة. فالحياة ليست مجرد أيام تمضي، بل فرصة للاستعداد للحظة الحقيقة. فمن وعى هذه الحقيقة، عاش حياته بتوازن، واستعد للقاء ربه بما يليق، أما من غفل عنها، فسيجد نفسه في مواجهة مصير لم يحسب حسابه.
google-playkhamsatmostaqltradent