
✍🏻 دكتور عمرو ابو الحسن
قصة قصيرة
مارس ٢٠١٦
.
تمهيد:
- يظن كثير من رجال الإدارة أن العلاقات الإنسانية فصل في كتاب تنظيم العمل، وهم مخطئون في هذا، فالعلاقات الإنسانية هي كل الكتاب (بيلفر شتاين)
* القصة:
بعد الاطلاع على اللوائح والقوانين قررنا تعيين المهندس/ سالم أبوحطب مديرا لشركات HMS للنقل والمواصلات،
يطوي القرار و يضعه في جيبه مبتسما ثم يرفع سماعة الهاتف مستدعيا مديرة مكتبه، تدخل عليه متأنقة فيرمقها بعيني مراهق عشريني لكنه سرعان ما يبدى حزما مصطنعا آمرا إياها بدعوة موظفي الشركة إلى إجتماع وصفه بالهام والعاجل.
- "أنا تعمدت إني اجتمع بيكم كلكم النهارده مهندسين وسواقين وموظفين علشان أعرض عليكم رؤيتي لتطوير الشركة" بهذه الكلمات بدأ اجتماعه الأول، ثم أردف قائلا: انتوا عارفين إن مشاكل الشركة كتير يعني حوادث طرق متكررة، تأخير في المواعيد، سوء في الخدمة وغيرها.
- قاطعه أحد الموظفين متحمسا: ومستحقاتنا المالية المتأخره!
- تجاهل كلماته وكأنه لم يسمعها ثم استطرد قائلا: الكلام اللي هقوله ده مش اقتراحات، دي قرارات للتطوير وهتتنفذ من بكره.
- اشرأب أحدهم بعنقه وقال: اتفضل يا سيادة المدير، أنا والله لسه حالا كنت بقول لهم إن ما حدش هيظبط الشركة دي غير سعادتك.
- بصوت أجش وثقة متناهية في النفس قال المدير: أول خططنا للتطوير هتكون دهان جميع الأتوبيسات باللون الأبيض ووضع شعار الشركة عليها، وغير مسموح لأي سائق إنه يتحرك من الجراش بأتوبيس غير مدهون.
- ساد صمت لم يدم طويلا، أخذ بعضهم ينظر خلاله إلى بعضهم الآخر متعجبا، إلى أن رفع أحد المهندسين يده وقال: حضرتك المشكلة الأساسية في المحركات، المحركات اللي عندنا قليلة و مستهلكة من كتر الشغل، محتاجين محركات جديدة وحديثة.
- نظر إليه بعين غاضبة، ولوهلة حاول تجاهله كسابقه لكنه تذكر قاعدة كان يلجأ لها دائما في مثل هذه الظروف (كثير من الصوت العالي مع قليل من التظاهر بالغضب الممزوج بالتهديد كاف لأن يغطي على سطحية فكرك وفشل أدائك)، قال له بصوت عال ومرتفع: ما تيجي تقعد مكاني أحسن يا باشمهندس!
- أشرأب الرجل بعنقه ثانية وقال: ما تصلي على النبي يا باشمهندس، هو الباشا لسه خلص كلامه، وبعدين برضو السن والمركز ليهم احترامهم.
- التقط المدير بعض أنفاسه متظاهرا بالتماسك وقال: القرار الثاني الركاب بدل ما كانوا بيركبوا الأتوبيس من الباب الأمامي وينزلوا من الباب الخلفي، هنعكس الموضوع يعني هيركبوا من الباب الخلفي وينزلوا من الباب الأمامي.
- هتف صاحبنا المشرئب بعنقه دائما: الله عليك يا باشا هو ده الكلام وهي دي الدماغ.
- كادت كلمات المديح الكاذب أن تسكره لولا أن تذكر هيبة مركزه، فأكمل: القرار الثالث ترقيم الكراسي هو كمان هيتغير يعني هيبتدي من ورا لقدام بدل ماكان من قدام لورا.
- طفح الكيل بأحد المهندسين فقاطعه قائلا: يا فندم حضرتك كل ده جميل وكويس بس المشكله الأساسية ما اتحلتش، عندنا نقص واضح في أدوات الصيانة وفي الوقود وكمان في قطع الغيار، حضرتك لازم الحاجات دي تتوفر علشان الشغل يمشي.
- المدير حانقا: وإيه المطلوب يعني؟ أجيب الحاجات دي من بيتنا؟ ولا أصرف على الشركة من جيبي؟!.... وبعدين إنت يا باشمهندس بتشتغل كام يوم في الأسبوع؟، ده أنا حتى مش شايفك موقع في كشف الحضور والانصراف النهارده.
- بادره المهندس حنقا بحنق: يعني هو سيادتك كل اللي همك وقعت ولا ما وقعتش، يعني أنا لو وقعت الشهر كله وما اشتغلتش هتبقى مبسوط، قال كلاماته وانصرف لا يلوي على أحد.
- اشرأب صاحبنا بعنقه مجددا وقال: لا يا اخونا مش عايزين تسيب وإهمال من أولها، المدير كتر خيره إنه قاعد معانا وبيعرض علينا قراراته، مش كان ممكن يرمي لنا القرارات دي ويقول لنا نفذوها، يلتفت إلى المدير في استعطاف باهت: معلش يا باشا امسحها فيا المرة دي أقسم بالله العظيم تلاته كلامك درر، كمل ياباشا كمل.
- المدير : القرار الرابع الأتوبيس اللي كان بيمشي ١٦ ساعة ويريح ٦ ساعات، هنوزعهم يعني هيمشي أربع ساعات و يريح ساعتين.
يسود صمت مطبق يقطعه دخول مديرة المكتب متأنقة كعادتها، يعتدل صاحبنا في جلسته ويقول لها وهو يعدل من ربطة عنقه: كل اللي ما وقعش حضور النهارده تكتبي اسمه في ورقه وتجيبيها لي المكتب بعد الاجتماع علشان أحولهم شؤون قانونية.
- صاح هذه المرة وهو يضع كفه على عنقه وكأنه قد تلقى لتوه صفعة قوية عليه: عليا الطلاق يا ريس قرار حكيم حكيم......ثم اقترب منه هامسا في إذنه: معلش ياريس سماح النهارده، والله، قسما بالله كنت ماضي خط سير وضاع مني ونسيت أوقع في الدفتر.
عمرو أبوالحسن
مارس ٢٠١٦

