recent
أخبار ساخنة

ردًا على تصريحات ياسر جلال في مجلس الشيوخ المصري/شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS
ردًا على تصريحات ياسر جلال في مجلس الشيوخ المصري

حسين السمنودي

عندما يتحدث أحد أعضاء مجلس الشيوخ، وخاصة إذا كان من الوجوه المعروفة في الوسط الفني والإعلامي، فإن كلماته لا تمر مرور الكرام، بل تُصغي إليها الآذان وتتشكل منها انطباعات في عقول الناس، لذلك كان لزامًا على الجميع أن يتحرى الدقة والحقائق قبل إطلاق أي تصريح يتعلق بتاريخ وطن أو جيش أو شعب.

ما قاله الفنان وعضو مجلس الشيوخ ياسر جلال عن إرسال الجزائر لقوات صاعقة إلى ميدان التحرير بعد نكسة يونيو عام 1967 لحماية المواطنين المصريين، أثار دهشة المتابعين، وأعاد إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا حساسية، وهي مسألة التوثيق التاريخي والدقة في نقل الأحداث. فالحروب لا تُروى بالعاطفة، والتاريخ لا يُكتب بالمجاملة، لأن الحقيقة تظل أقوى من أي نوايا طيبة.

بالرجوع إلى ما هو ثابت في الوثائق والمراجع العسكرية، يتضح أن الجزائر كان لها موقف بطولي مشهود بعد نكسة 67، حيث قدمت دعمًا ماديًا وعسكريًا لمصر في تلك الفترة العصيبة. فقد أرسلت طائرات ميج لدعم سلاح الجو المصري، وساهمت في إعادة بناء القوات المسلحة استعدادًا لمعركة الكرامة في أكتوبر 1973، كما شاركت بقطع من السلاح والعتاد، وقدّم الشعب الجزائري دعماً مالياً ومعنوياً كبيراً لمصر. لكن كل ذلك لا يعني مطلقًا أن قوات جزائرية دخلت القاهرة أو تمركزت في ميدان التحرير، فهذه الرواية لم ترد في أي مصدر تاريخي رسمي، سواء في الأرشيف المصري أو الجزائري أو في شهادات قادة تلك المرحلة.

ولعل ما أكده عبد الحكيم عبد الناصر، نجل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، يضع النقاط فوق الحروف عندما صرح أن هذا الأمر لم يحدث مطلقًا، وأنه لم يسمع به من قبل، لا من والده ولا من أحد القادة العسكريين أو السياسيين الذين عاشوا تلك الحقبة. فالمصادر الموثقة التي تناولت العلاقات المصرية الجزائرية بعد النكسة تحدثت عن دعم سياسي وعسكري جوي، لكنها لم تشر إلى أي وجود لقوات مشاة جزائرية في شوارع القاهرة أو ميدان التحرير.

الحقيقة أن الشعب المصري لم يكن يومًا بحاجة إلى من يحميه في عاصمته من الخارج، لأن المصريين في تلك الفترة رغم الهزيمة العسكرية عاشوا حالة من التماسك الوطني الفريد. الشوارع امتلأت بالإصرار، والجيش أعاد تنظيم صفوفه، والشعب التف حول قيادته، ولم يكن في القاهرة أي تهديد داخلي يستدعي وجود قوات أجنبية مهما كانت صديقة أو شقيقة.

إن العلاقات بين مصر والجزائر علاقة أخوة وتاريخ نضالي مشترك، وقد وقفت الجزائر إلى جانب مصر في معاركها كما وقفت مصر إلى جانب الجزائر في ثورتها ضد الاستعمار، وهذه حقائق راسخة لا تحتاج إلى مبالغات أو إضافات غير موثقة. فكل دولة لها تاريخها الذي تعتز به، وكل دعم حقيقي تم ذكره في السجلات العسكرية والوثائق الرسمية موجود ومحفوظ في الأرشيفين المصري والجزائري، ولا يمكن لأي تصريح عابر أن يغير هذه الحقائق الراسخة.

إن الخطورة في مثل هذه التصريحات أنها قد تُستغل أو تُفهم بشكل خاطئ، فتمنح من لا يريد الخير لمصر أو الجزائر فرصة للطعن أو التشكيك أو التلاعب بالروايات التاريخية، لذلك وجب على كل من يتحدث في المحافل العامة أن يفرّق بين الرواية الشخصية أو الحكاية العائلية، وبين الحقيقة التاريخية المثبتة بالأدلة.

إن ردنا على ما قاله ياسر جلال ليس إنكارًا لدور الجزائر العظيم، بل دفاع عن الحقيقة وعن شرف التاريخ المصري الذي لا يقبل التزييف أو الخلط. فالتاريخ لا يُكتب بالعاطفة، بل يوثق بالوثائق والشهادات. وإذا كانت نية المتحدث طيبة أو هدفت إلى الإشادة بالأشقاء الجزائريين، فإن الطريق الصحيح لتكريمهم هو ذكر ما قاموا به فعلاً لا ما لم يحدث.

لقد دعمت الجزائر مصر بالمال والسلاح والرجال في ميادين القتال لا في شوارع العاصمة، وقفت إلى جوارها سياسياً وعسكرياً، وساندتها في أصعب أوقاتها، وهذه الحقيقة تكفي لتظل الجزائر في قلوب المصريين بلا حاجة إلى روايات غير دقيقة. إن الدفاع عن الحقيقة هو دفاع عن الشرف، والصدق هو الطريق الوحيد الذي يحفظ للأوطان مجدها، أما التزييف أو الخلط فهو إساءة غير مقصودة للتاريخ نفسه.

لذلك، وجب علينا أن نحترم ذاكرة الشعوب وأن نصون ما سجله التاريخ بمداد من دماء الأبطال لا بحكايات المجالس. فمصر لم تكن لتحتاج يوماً إلى من يحرسها في شوارعها، لأنها تحرس نفسها بجيشها وشعبها، كما أن الجزائر لم تكن بحاجة إلى أسطورة لتثبت وفاءها، فوفاؤها ثابت لا يحتاج إلى دليل. وبين مصر والجزائر ستبقى الأخوّة الحقيقية أعظم من أي رواية عابرة أو تصريح غير دقيق.
google-playkhamsatmostaqltradent