recent
أخبار ساخنة

سرّ التوحيد بين الحرف والمعنى.. وكيف تجلّى اسم الله في أعظم كلمة عرفتها الخليقة /شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS
سرّ التوحيد بين الحرف والمعنى.. وكيف تجلّى اسم الله في أعظم كلمة عرفتها الخليقة

 حسين السمنودي

هناك لحظات في حياة المؤمن يقف فيها متأمّلًا أمام أبسط الأشياء، فإذا بها تتحول إلى أبواب واسعة من المعرفة والإيمان. ومن أعجب تلك اللحظات ما يظهر حين نتأمّل في الارتباط العجيب بين حروف اسم الجلالة "الله" وبين الكلمة التي تقوم عليها السماوات والأرض: "لا إله إلا الله".
ليست مجرد ملاحظة لغوية، ولا فكرة بلاغية، بل هي إشارة ربانية تكشف عمق التوحيد وبراعة الخلق ودقة البيان الإلهي التي تنساب إلى القلب قبل العقل.

اسم "الله" جل جلاله يتكون من أربعة حروف فقط:
ا – ل – ل – هـ
ومع ذلك فهو الاسم الذي تجثو له الأرواح، وترتجّ له السماوات، وتلين به القلوب القاسية. العجيب أن هذه الحروف ذاتها هي البنية الحقيقية التي تتشكل منها كلمة التوحيد:
"لا إله إلا الله".

كأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يخبر عباده بأن الطريق إليه لا يُنطق إلا بما يخرج من اسمه، وأن أول حروف يعرفها اللسان في رحلة الإيمان هي ذات الحروف التي تُبنى عليها عقيدة التوحيد.
إن اتحاد الحروف ليس صدفة لغوية؛ بل دلالة إلهية بأن أصل الوجود قائم على توحيد الله، وأن كل شيء يبدأ باسمه وينتهي إليه.

وإذا تعمّقنا أكثر، وجدنا أن كلمة "لا إله إلا الله" تتضمن نهجين متكاملين:

نفيٌ يمحو الكذب والزيف والوثنية والشرك من القلب.

وإثباتٌ يملأ القلب نورًا، فيستقر على الله وحده لا شريك له.


هذا البناء العجيب بين النفي والإثبات هو نفسه الذي يسري بين الحروف الأربعة لاسم الله، فكلمة “الله” تبدأ بالألف، وهي أول حروف النطق، وكأنها بداية الهداية، ثم تتتابع اللامات لتُشكّل عمود الاسم وقوّته، ثم تختم بالهاء التي يخرج معها النفس خاشعًا كأنها زفرة تسليم لله.
وبذلك يجتمع الصوت والمعنى والحرف على كلمة واحدة: لا إله إلا الله… مفتاح الطريق وصراط النجاة.

إن هذا التشابه العجيب بين الحروف ليس مجرد توافق لفظي، بل هو باب تأمّل يُخبرنا أن التوحيد ليس كلمة تُقال، بل هندسة ربانية تتجسد في الحرف، والصوت، والمعنى، والروح، والوعي، والنية، والسلوك، واليقين.
وحين ينطق المؤمن "لا إله إلا الله" فهو لا ينطق كلمة، بل يبني في داخله عالمًا جديدًا يصنعه الله في قلبه، يغيّر به نظرته للحياة، ويطرد به خوفه، ويثبّته على الحق، ويجعله يرى كل شيء على حقيقته.

وفي كل مرة يقرأ المؤمن هذه الملاحظة العجيبة — اتحاد حروف اسم الجلالة مع حروف كلمة التوحيد — يتجدد في القلب شعورٌ لا يوصف:
أن الله قريب، وأنه أراد لعباده أن يجدوه بسهولة، وأن طريق معرفته يبدأ من اسمه الذي وضعه في فطرة البشر قبل أن يعرفوا اللغة ذاتها.

وحين نقف أمام هذه الأسرار، ندرك أن عظمة الله لا تتجلّى فقط في الجبال الضخمة ولا في حركة الكواكب ولا في بديع خلق السماوات، بل تتجلّى في الحرف الصغير، وفي اللمسة اللغوية التي لا ينتبه لها إلا قلبٌ صادق يبحث عن الله بصدق.
وحين يجتمع الإعجاز اللغوي مع الإعجاز الإيماني، يكتشف المؤمن أن كل شيء في الكون — من الذرة إلى المجرة — يشير إلى الله، وأن كل طريق مهما التوى ينتهي إلى كلمة واحدة تُنجي في الدنيا والآخرة:
لا إله إلا الله.

وفي هذا السرّ تظهر عظمة الله سبحانه وتعالى؛ فهو الذي جعل حرفًا واحدًا يهدي قلبًا، وكلمة واحدة تفتح باب الجنة، ونطقًا بسيطًا يغسل عمرًا كاملًا من الضياع.
هو الذي خلق الكون من كلمة، وأنزل الكتب بكلمات، وجعل حياة الأمم كلها تقوم على كلمة التوحيد.
ومن تأمّل هذا الارتباط العجيب بين اسم الله وكلمة التوحيد أدرك أن الله لم يجعل الإيمان معقّدًا، بل سهّله ويسّره وقربّه، وأنه سبحانه يريد لعباده الطريق، ويريد لهم الرحمة، ويريد لهم الهداية، ويريد لهم النجاة.

هكذا تتجلى العظمة: في حرفٍ بسيط، وفي اسمٍ واحد، وفي كلمةٍ تنقذ الروح من ظلامها، وتعيد الإنسان إلى فطرته الأولى…
فسبحان الله الذي جعل من الحرف نورًا، ومن الكلمة عقيدة، ومن النطق بابًا إلى جنات الخلود.
google-playkhamsatmostaqltradent