حسين السمنودي
عندما نتحدث عن الجندي المصري، لا نتحدث عن آلة حربٍ جامدةٍ لا تعرف إلا القتال، بل نتحدث عن إنسانٍ يحمل قلبًا نابضًا بالعطاء، وإيمانًا راسخًا بعدالة قضيته، وعقلًا راشدًا يفرق بين الحرب كضرورة، والإنسانية كواجب لا يسقط حتى في أحلك المواقف. الجندي المصري، منذ فجر التاريخ، لم يكن مقاتلًا فقط، بل كان صاحب رسالة أخلاقية، يدافع عن الأرض والعِرض، ويصون كرامة الإنسان حتى لو كان خصمًا بالأمس.
في كل معركة خاضها الجيش المصري، كانت هناك مشاهد إنسانية خالدة، تشهد على نقاء معدن هذا الجندي الأصيل. ففي حرب أكتوبر المجيدة، لم يكن النصر عسكريًا فحسب، بل كان نصرًا إنسانيًا وأخلاقيًا أيضًا، حيث أظهر الجندي المصري رحمةً غير مسبوقة بالأسرى، فلم يمد يده على ضعيف، ولم ينتقم من عدوٍ جريح، بل كان يعامل الأسير كما يعامل أخاه، مطبقًا قول النبي ﷺ: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
ولم تقتصر إنسانية الجندي المصري على الميدان فحسب، بل تمتد حتى في فترات السلم، حين يسارع إلى إنقاذ المنكوبين وقت الكوارث، أو حين يمد يد العون لأهالي القرى والنجوع في حملات الإغاثة والمساعدات. فالجندي المصري لا يخلع إنسانيته حين يرتدي بزته العسكرية، بل يجعلها درعه الأول في مواجهة قسوة الحرب وظروفها.
هو جندي يعرف أن الحرب ليست غاية بل وسيلة لحماية الحياة، وأن النصر الحقيقي ليس فقط في رفع العلم فوق الأرض المحررة، بل في الحفاظ على القيم والمبادئ التي تميز الإنسان عن الوحش. لذلك ظل الجندي المصري رمزًا للشرف، لا يعتدي، ولا ينهب، ولا يعبث بمقدرات أحد، حتى أعداؤه يشهدون له بالخلق والانضباط، وهذا ما ميّزه عبر التاريخ عن سائر جيوش المنطقة.
في وجه كل حربٍ فرضت عليه، كان الجندي المصري يقاتل من أجل السلام، لا من أجل التوسع أو الهيمنة، يقاتل بروح من يحمل الأمانة، ويؤدي الواجب بإخلاص. لذلك تظل صورته محفورة في ذاكرة الأمة: إنسانًا شجاعًا، نبيلًا في المعاملة، قويًا في الميدان، وطيب القلب حتى في لحظات الدم والنار.
إن إنسانية الجندي المصري ليست شعارًا يُقال في المناسبات، بل هي حقيقة راسخة في ضمير الأمة، نابعة من عقيدته الدينية وتربيته الوطنية. فهو يعي أن النصر بلا إنسانية هزيمة في المعنى، وأن الحرب بلا أخلاق دمار للروح قبل الأرض. لذلك، سيبقى الجندي المصري، في الحروب وفي السلم، نموذجًا خالدًا يجمع بين الشجاعة والرحمة، بين القوة والضمير، بين الواجب والإنسانية، لتبقى مصر وجيشها دائمًا درعًا يحمي، لا سيفًا يبطش.