حسين السمنودي
إن من سنن الله في خلقه أن الطبع يغلب التطبع، وأن الأصل الراسخ في النفس لا يزول بالتجمّل ولا بالتزيين، فلو تظاهر أحدهم بالحلم، وفي داخله نار الحقد، فإن شعلة الحقد ستعلو يوماً وتفضحه. هذا المبدأ ينطبق بدقة على من هم أعدى البشر: اليهود.
لقد سطرت صفحات التاريخ طباع اليهود منذ فجر الرسالات، فكان الغدر والخيانة والطمع والتآمر سمات متأصلة فيهم، لا تنفك عنهم، مهما أظهروا من لين أو زيفوا من شعارات، فالمكر متجذر، والحقد متأصل، ولا يزالون يسيرون على خطى أجدادهم الذين قتلوا الأنبياء، وبدّلوا كلام الله، وحرفوا الكتب، واتخذوا الدين ستاراً للفساد والكراهية.
فإذا تأملنا أحوالهم في زمن النبي ﷺ، نجدهم يتظاهرون بالإسلام في المدينة، ثم يكيدون له ويغدرون به، ويحرضون المشركين ويؤلبون الأحزاب، وما حادثة بني قريظة وبني النضير عنا ببعيد، حيث خانوا العهد وانقلبوا، وكان جزاؤهم الذي أنزلهم من عليائهم.
واليوم… لا يزال الطبع على ما هو عليه. لا تزال الصهيونية العالمية تمارس نفس الخداع والمكر على مستوى أوسع وأكثر فتكاً، فمن التطبيع إلى الخيانة، ومن الدعوة للسلام إلى صناعة الحرب، ومن اتفاقيات التعاون إلى مؤامرات الهدم والتفكيك، كل ذلك يؤكد أن التطبع الذي يمارسونه لا يُخفي طبعهم الأصلي: طبع الخيانة.
وها نحن اليوم نشاهدهم يذبحون الأبرياء في غزة،ويدمرون كل ما تناله أيديهم . ويدمرون البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ويتفاخرون بمجازرهم على شاشات الإعلام، في الوقت الذي يتظاهرون فيه بأنهم ضحايا. أي خداع هذا؟! وأي كذب أنكى من أن يتحول القاتل إلى باكٍ أمام العالم؟!
منذ أن قامت دولتهم الزائفة على أرض فلسطين، وهم يمارسون أبشع أنواع الغدر والخيانة، يوقعون الاتفاقيات ويخرقونها، يمدون أيديهم بالسلام، ثم يضمرون السهام. وما حصل في غزة، وما يحصل في لبنان وسوريا واليمن والعراق، كلها فصول متصلة في مسرحية يهودية قديمة عنوانها: “الخيانة على مرّ الزمن”.
لكن… ما هو موقف الأمة؟
هنا ينبغي أن نستفيق! فالغدر اليهودي ليس مفاجئًا، بل هو تحصيل حاصل لطبعهم الممتد منذ آلاف السنين، والمطلوب من أمتنا الإسلامية والعربية أن تعود إلى روحها الأصيلة، وأن تستعيد فطرتها التي تدرك العدو وتعرفه.
لابد أن يكون الاستعداد شاملًا… لا عسكريًا فقط، بل وعيًا وإدراكًا وفهمًا للتاريخ، وقراءة للواقع. علينا أن نحصّن الشعوب بالعلم والدين، وأن نزرع في قلوب الأجيال أن العدو لا يُؤمن له، وأن السلام لا يكون مع من دنسوا المسجد الأقصى ولا يزالون يحلمون بهدمه لإقامة هيكلهم المزعوم.
علينا أن نؤمن أن معركتنا مع هذا العدو هي معركة وجود لا حدود، وأن الخداع الإعلامي الذي يصورهم ملائكة ليس إلا قناعًا لطبعهم الأسود، وأن من ظن فيهم خيرًا فقد خُدع أو تجاهل التاريخ والواقع.
يا أمة الإسلام… لقد آن أوان الاستعداد، فقد خبرنا عدوًا لا عهد له ولا ميثاق. فلا تطبع يغلب على طبعهم، ولا زمن يغير أصلهم. فلتكن العقول متيقظة، والقلوب ثابتة، والصفوف متماسكة، لأن الغدر قادم، والمؤامرات تتشكل، والمكر يُحاك في الليل والنهار.
قد يظن البعض أن غدر اليهود يمكن محاصرته بالدبلوماسية أو تلطيفه بالتصريحات، لكن من يعرفهم حقًا يدرك أنهم إن ابتسموا فخلف ابتسامتهم خنجر، وإن صمتوا فإنهم يمكرون في الخفاء.
إننا في زمن كُشف فيه الغطاء، وتهاوت فيه الأقنعة، وصارت الحقيقة تشرق على الأمة من دماء الأطفال في غزة، ومن أنين الثكالى في جنين، ومن دمار البيوت في رفح. فهل من معتبر؟ هل من قارئ للتاريخ؟ هل من مدرك أن هذه المعركة طويلة الأمد، وأن الطبع لا يتبدل بتوقيع ولا بند سلام؟
وإن مصر – أرض الكنانة وحامية الحمى – تعرف هذا العدو جيدًا، وتستعد له كما أمر الله:
{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ}.
فطوبى لمن استعد، وخاب من اطمأن.
وسيبقى الطبع طبعًا، والتاريخ شاهدًا، ولن تُخدع الأمة من جديد.