د/حسين السمنودي
في زمن تكسرت فيه الأحلام على أعتاب البطالة، وتراجع فيه الأمل تحت وطأة الظروف القاسية، يخرج من بين صفوف الشباب نموذج نادر يستحق الوقوف عنده، نموذج شاب مكافح اسمه "كيوان"، لا يملك من حطام الدنيا إلا عزيمته، ولا يركن إلى الحظ أو الشكوى، بل يتسلح بالإصرار ويتقدم في صمت. إنه تجسيد حي لعبارة "ابن البلد الحقيقي"، ذاك الذي لا يرفع صوته، بل يرفع رأسه بالعمل الشريف.
منذ نعومة أظافره، عرف كيوان طعم التعب، وكأن الحياة اختارته ليكون من المجتهدين لا المدللين. لم يعرف طريق الراحة، ولم يتكئ على مال أو جاه، بل خرج من بيته كل صباح يحمل في يده أدوات عمله، وفي قلبه دعاء أمه، وعلى كتفه مسؤولية ثقيلة لا يراها الناس، لكنها تنهشه كل لحظة.
كيوان واحد من ملايين الشباب المصري الذين يصنعون المعجزات اليومية بعيدًا عن عدسات الكاميرات، شاب يبدأ يومه قبل طلوع الشمس، ويختمه بعد منتصف الليل، يعمل في أكثر من مهنة، يتنقل بين شمس الصيف وقر الشتاء، لا لشيء إلا ليسد رمق أسرته، ويحفظ كرامته، ويبني نفسه بنفسه دون أن يمد يده لأحد.
لقد اختبرته الحياة بكل صنوف القسوة: الفقر، وضيق الحال، وقلة الفرص، وغياب الدعم، لكنه لم ينهزم. بالعكس، اشتد عوده مع كل عثرة، وتعلم من كل خيبة، وتسلح بالإيمان والعمل، حتى وفقه الله، وأصبح مثالاً يُحتذى في الصبر والثبات والاجتهاد.
ما يميز كيوان ليس فقط اجتهاده، بل قدرته على الحفاظ على أخلاقه رغم قسوة الواقع. لم يُغره طريق الحرام، ولم يضعف أمام إغراءات المال السهل. اختار أن يعرق في سبيل لقمة شريفة، وأن يبني طوبة فوق طوبة بسواعده النقية، محتسبًا كل لحظة تعب أجرًا من الله وأملاً في غد أفضل.
ورغم أنه يعيش حياة بسيطة، فإن طموحه كبير كجبل، لا يحلم بثراء مفاجئ، بل يحلم بأن يكون له بيت صغير، وأسرة مستقرة، وأن يعلّم أبناءه أن الشرف في العمل لا في الثرثرة، وأن الرجولة موقف، لا مظاهر.
كيوان لم يطلب يومًا مساعدة من أحد، لكنه يستحق كل مساندة. يستحق أن نحتفي به، لا أن نغرق إعلامنا في أخبار المصطنعين والفارغين. نحتاج أن نقدم كيوان نموذجًا في المدارس، أن نحكي قصته على المنصات، أن نسلط الضوء على أمثاله في كل مكان.
إن قصة كيوان لا يجب أن تمر مرور الكرام، لأنها في الحقيقة قصة مصر التي لا نراها كثيرًا؛ مصر التي تقف على أكتاف الشرفاء والصابرين، لا على عناوين الأخبار المزيفة. إنها قصة ملايين من الشباب الذين يبنون الوطن بعرقهم، ويزرعون الأمل في قلب اليأس.
وفي خضم ما نعيشه من ضغوط اقتصادية واجتماعية، فإن كيوان يمثل ضميرًا حيًا لهذا الوطن. صوته لا يُسمع كثيرًا، لكنه موجود في كل زاوية، في كل شارع، في كل ورشة ومصنع ومزرعة. ولعل الأجمل في حكايته أنه لم يطلب التقدير، لكنه يستحقه عن جدارة.
وفي الختام، نقول لكل كيوان على أرض مصر: أنت الأصل، وأنت الأمل، وأنت الذي لا تُهزم، ما دمت تصلي وتتعب وتكافح وتصبر، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.