recent
أخبار ساخنة

هل وجدت مصر نفسها طرفًا في الحرب التجارية بين الصين وأمريكا بسبب قناة السويس؟/شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS
هل وجدت مصر نفسها طرفًا في الحرب التجارية  بين الصين وأمريكا بسبب قناة السويس؟

 حسين السمنودي

في عالمٍ يتغير كل لحظة، لم تعد الحروب تُخاض بالمدافع وحدها، بل باتت تدار بالرسوم الجمركية والعقوبات والهيمنة على الأسواق والبيانات وسلاسل الإمداد. هكذا انفجرت الحرب التجارية والاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وهي حرب ضارية لكنها بلا دخان، حرب تتسلل إلى أعماق الاقتصاد العالمي وتعيد رسم خريطته من جديد، ولم تكن مصر – بما تحمله من موقع استراتيجي يربط قارات العالم – بمنأى عن تداعياتها.

حين اشتعل الصراع بين بكين وواشنطن، لم تكن قناة السويس مجرد ممر مائي عادي، بل تحولت إلى ساحة تأثير غير معلن، فهي تمثل عصبًا أساسيًا في حركة التجارة العالمية، وبخاصة في الشحنات المتبادلة بين الشرق والغرب. وقد وجدت مصر نفسها، ولو دون إرادة منها، في قلب هذا الصراع المتشابك، وكأنها سُحبت إلى مائدة اللعبة الدولية، حيث لا صوت للحياد الكامل.

ومع تشابك المصالح وتشديد أمريكا العقوبات على البضائع الصينية، وتوجه الصين لتقليص اعتمادها على الموانئ الأمريكية، وإعادة تشكيل سلاسل التوريد نحو آسيا وأوروبا، بدأت خطوط الملاحة تتغير تدريجياً. وبدلاً من ازدهار متوقع لقناة السويس نتيجة تزايد الشحنات، حدث العكس. تناقص مرور الحاويات من بعض الاتجاهات، وانخفض الطلب على بعض الخطوط البحرية، وبدأت مصر تشعر بتقلص تدريجي في الإيرادات، خاصة مع محاولات بعض القوى الكبرى البحث عن طرق بديلة تمر عبر القطب الشمالي أو عبر خطوط سكك حديد عملاقة تربط الصين بأوروبا. هذه التحركات لم تكن تهديدًا مباشرًا، لكنها أرسلت إشارات واضحة إلى أن قناة السويس، رغم عظمتها، ليست بمنأى عن المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية.

لم يقتصر التأثير على قناة السويس وحدها، بل امتد إلى البيئة الاقتصادية العامة في مصر. فقد تأثرت الأسعار، واختلت سلاسل الإمداد، وارتفعت تكلفة بعض المواد الخام والسلع المستوردة، وتباطأت بعض الاستثمارات التي كانت تعتمد على الاستقرار في حركة التجارة الدولية. كما وجدت مصر نفسها أمام معادلة صعبة: كيف تحافظ على شراكتها القوية مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تستثمر في علاقتها المزدهرة مع الصين، خصوصًا أن الأخيرة أصبحت أحد أبرز الممولين لمشروعات البنية التحتية في البلاد، ورافدًا مهمًا من روافد الاقتصاد الوطني.

في هذا السياق، لا يمكن تجاهل البعد الاستراتيجي لما يحدث. فالصراع بين القوتين لا يقتصر على التجارة، بل يمتد ليشمل التكنولوجيا والذكاء الصناعي والسيطرة على الأسواق والموارد، وبالتالي، فإن تداعياته ليست لحظية أو سطحية، بل عميقة ومستدامة، وهو ما يفرض على مصر أن تعيد حساباتها من جديد، لا في خانة الانحياز لهذا الطرف أو ذاك، بل في كيفية تعظيم موقعها وتعزيز قدرتها على التكيف والاستفادة من التنافس بدلًا من أن تكون ضحية له.

وفي خضم التحديات، تبرز فرص مهمة إذا أحسنّا استغلالها. فالحرب الاقتصادية بين القوتين العظميين قد تفتح أمام مصر أبوابًا جديدة لتعزيز مكانتها كمركز دولي للتجارة والتخزين والتصنيع، شريطة أن نعيد النظر في بنيتنا التحتية، ونطور من قدراتنا التكنولوجية واللوجستية. مصر يمكنها أن تلعب دور الوسيط الاقتصادي بين الشرق والغرب، وأن تتحول من معبر للسلع إلى محطة تصنيع وتوزيع عالمية، خاصة في ظل ما تمتلكه من مناطق اقتصادية واعدة مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

كما يمكن لمصر أن تستثمر في علاقات متوازنة، تجمع بين الشراكة الاستراتيجية مع أمريكا والانفتاح على الصين، دون الانجرار إلى معسكر ضد الآخر. وهذا يتطلب دبلوماسية ذكية، وخططًا اقتصادية مرنة، وقدرة على قراءة المشهد الدولي بتعقيداته وتغيراته السريعة.

ليست مصر طرفًا مباشرًا في الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين، لكنها بالتأكيد إحدى الساحات التي تنعكس عليها هذه الحرب. والتاريخ علمنا أن الدول التي تحسن قراءة المتغيرات هي التي تنجو، بل وتصعد. فهل تستعد مصر لهذه المرحلة بمزيد من التوازن والابتكار والرؤية العميقة؟ هذا هو التحدي، وهذه هي الفرصة التي لا ينبغي أن تضيع.
google-playkhamsatmostaqltradent