الشيخ حسين أبو لافي المسعودي.. أول شهداء منظمة سيناء العربية وراية المجد التي لا تنكسر
حسين السمنودي
في صحراءٍ لا تعرف الخضوع، وبين جبالٍ اعتادت أن تُنجب الأبطال، وُلد المجد على هيئة رجل اسمه حسين بن مسلم أبو لافي المسعودي، شيخ قبيلة المساعيد، وصوت المقاومة الذي دوّى في وجه المحتل، وأول شهداء منظمة سيناء العربية، تلك المنظمة التي كانت لهيبًا تحت رماد الاحتلال، ونبضًا صافيًا من قلوب رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
منذ اللحظة الأولى لاحتلال سيناء عام 1967، لم تكن القبائل البدوية مجرد شهود على الجراح، بل حملوا الجراح ومضوا، يرفضون الذل، ويؤمنون أن الأرض لا تتحرر إلا بدم الرجال. في طليعة هؤلاء الأبطال كان الشيخ حسين أبو لافي، الرجل الذي لم يكن زعيمًا قبليًا فقط، بل كان روحًا مقاتلة، ومشروع شهيد، وضمير وطن.
حين شكّلت المخابرات العامة المصرية "منظمة سيناء العربية"، لتكون ذراعًا شعبية تقاتل العدو من داخل سيناء، كان الشيخ حسين من أوائل من لبوا النداء، متطوعًا دون قيد أو شرط، واضعًا روحه على كفّه، ومقسمًا أن لا يعود إلا والنصر في يده، أو تراب سيناء في كفنه.
باسمه الحركي "الصقر"، أصبح أيقونةً في العمل الفدائي، كان ذا ذاكرة فولاذية، يعرف كل شبر في سيناء، يسير على الرمال كما يسير أحدنا في بيته، ينفذ العمليات بدقة، وينقل المعلومات بثقة، حتى صار هدفًا إسرائيليًا مطلوبًا.
في مساء 8 يونيو، أُوكلت إليه عملية نوعية لزرع ألغام في أحد الطرق الاستراتيجية، فتقدّم الصفوف بنفسه، زرع اللغم الأول، ثم باغته رصاص الغدر الصهيوني، فارتقى إلى ربه شهيدًا، تاركًا خلفه راية لا تنكسر، وذكرى لا تُنسى. أعلنت المنظمة أنه أول شهدائها، ومنحته الدولة وسام الامتياز من الطبقة الأولى، بينما منحه الوطن الخلود في وجدان أحراره.
لم يكن وحده، فقد كانت سيناء تعجُّ بالأبطال من مشايخها ورجالها. هناك الشيخ سالم الهرش، فارس مؤتمر الحسنة، الذي وقف في وجه العالم كله رافضًا تدويل سيناء، قائلاً كلمته الشهيرة: "سيناء مصرية، ولن نقبل أن يتحدث باسمنا أحد سوى الدولة المصرية". وقد دفع ثمن هذا الموقف تهجيرًا وتشريدًا، لكنه ظل صامدًا حتى الرمق الأخير.
وكان الشيخ خلف حسين أبو عيطه، من شيوخ قبيلة الترابين، مثالاً آخر للبطولة، حيث قاد العديد من عمليات الدعم اللوجستي للمجاهدين، ونقل السلاح والمعلومات، في وقتٍ كانت فيه سيناء محاطة بالحواجز والدوريات، لا يجرؤ على التنقل فيها إلا من كانت الشهادة أمنيته.
ولا ننسى الشيخ عوّاد أبو منوني من شيوخ قبيلة السواركة، الذي سلّم أبناءه الثلاثة للعمل الفدائي، وكان يقول إن من يموت شهيدًا لا يموت، بل يحيا فينا. وقد استشهد ابنه الأكبر في عملية نوعية أثناء استهداف دورية إسرائيلية جنوب العريش.
وكثيرا من الأبطال فى قبيلة المساعيد المشهود لهم بالبطولة والفداء .
هؤلاء وغيرهم كانوا أعمدة الصمود، وشعلة المقاومة، ورمز الشرف. لم يُؤسَسوا في كليات عسكرية، لكن صقلت أرواحهم مدرسة الوطن، وكانت رمال سيناء هي الفصل الأول في كتاب نضالهم.
في ذكرى تحرير سيناء، لا تكفينا الكلمات لتخليد هؤلاء العظماء، لكننا نكتب لنقول للأجيال: هنا كان رجال، هنا كانت دماء تمشي، لا تنزف، بل تزرع النصر وتُثمر الكرامة. فسلامٌ على الشيخ حسين أبو لافي، وسلامٌ على كل من حمل بندقية أو قدّم معلومة أو دعا على عدوه من قلبه.
هكذا كانت سيناء، وهكذا ستبقى، أرض المجاهدين والشهداء، أرض لا تنسى أبناءها، وإن مرّت عليها سنون الغربة والاحتلال، لأن من فيها علّمونا أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع بيدٍ حرة وقلب لا يهاب الموت.