حسين السمنودي
في أجواء روحانية مهيبة، وفي ليلة عظيمة ينتظرها المسلمون بشوقٍ وخشوعٍ، تألّق القارئ الشيخ عمر الجعان في إمامة المصلين بصلاة التراويح وختم القرآن الكريم في مسجد خالد بن الوليد بالمجاورة الثامنة بمدينة الصالحية الجديدة، حيث أبدع بصوته العذب وأدائه المتقن في تلاوة آيات الذكر الحكيم، ودعائه الجميل ليجعل تلك الليلة محفورةً في وجدان من شهدها.
الشيخ عمر الجعان، ذلك الشاب الذي عاش سنوات عمره في رحاب القرآن الكريم، ليس مجرد قارئ عادي، بل هو موهبة قرآنية استثنائية، جمع بين إتقان الترتيل وروعة الأداء، وبين التجويد المحكم والخشوع العميق. لقد وهبه الله صوتًا نديًا يأسر القلوب قبل الآذان، ويبعث في النفوس السكينة والخشوع، فلا عجب أن يجذب المئات من المصلين للاستماع إليه والاستمتاع بجمال صوته في ليلة من أعظم ليالي العام.
ومع حلول ليلة السابع والعشرين من رمضان، اجتمع المصلون في المسجد بأعداد غفيرة، وتراصت الصفوف بخشوع، واستعد الجميع لليلةٍ استثنائية. وما إن افتتح الشيخ عمر الجعان تلاوته حتى عمّ الصمت أرجاء المسجد، واختلطت مشاعر المصلين بين البكاء والخشوع والتدبر. تلاوته كانت تحمل بين طياتها نفحاتٍ من نور، صوته كان يتهادى بين آيات الرحمة والمغفرة، فتلامس كلماته شغاف القلوب، وتُذرف العيون بالدموع تأثرًا بكلماته التي خرجت من القلب لتستقر في القلوب.
ليلة القدر في مسجد خالد بن الوليد لم تكن مجرد مناسبة دينية، بل كانت حدثًا استثنائيًا سيظل محفورًا في ذاكرة من حضروها. بدا المسجد وكأنه قطعة من الجنة، حيث اجتمع المصلون على حب القرآن، وكانت أصوات الدعاء تمتزج مع تلاوة الشيخ عمر الجعان، ليكون المشهد أقرب إلى مشهد الملائكة وهم يحيطون بالمؤمنين، ويبتهلون معهم في تلك الليلة العظيمة.
لقد استطاع الشيخ عمر أن يثبت أن القرآن الكريم لا يحتاج إلى مبالغات صوتية أو استعراضات بلاغية، بل يكفي أن يُتلى بصدق وإخلاص ليصل إلى القلوب. كان أداؤه نموذجًا للخشوع الحقيقي، حيث كان يقرأ وكأنه يرى الآيات أمامه، يتفاعل معها بروحه قبل صوته، فلا عجب أن كانت لحظات التلاوة مؤثرة إلى حدٍّ كبير، جعلت المصلين يشعرون وكأنهم يسمعون القرآن للمرة الأولى.
الشيخ عمر الجعان ليس مجرد قارئ شاب، بل هو أحد الأصوات القرآنية الواعدة التي تحمل مشعل التلاوة في مصر، تلك الأرض التي أنجبت أعظم القرّاء في العالم الإسلامي. مسيرته مع القرآن حافلة بالإبداع والتفرد، فهو صاحب مدرسة متميزة في التلاوة، تجمع بين الأصالة والتجديد، وتحمل عبق القراء الكبار الذين أثروا الحياة القرآنية بأصواتهم العذبة.
إن تألق الشيخ عمر الجعان في ليلة القدر لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتاج سنوات من الاجتهاد والتدريب، وعشقٍ لا حدود له لكتاب الله عز وجل. فهو قارئٌ عشق القرآن منذ صغره، وحفظه بإتقان، ونهل من علومه، حتى أصبح اليوم واحدًا من الأصوات القرآنية التي يُنتظر سماعها بشغف.
ليلة السابع والعشرين من رمضان كانت شاهدة على عظمة هذا الصوت القرآني الفريد، وعلى تألقه الذي جعل المصلين يعيشون مع القرآن في أجواء روحانية لا تُنسى. ومع ختام التلاوة، لم يستطع الكثيرون حبس دموعهم، فقد كانت ليلةً مملوءةً بالإيمان، وكان الشيخ عمر الجعان بطلها بلا منازع.
وفي ختام هذه الليلة المباركة، لم يكن لدى المصلين إلا الدعاء لهذا القارئ المتألق بأن يحفظه الله ويبارك في صوته، وأن يجعله من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته. فمثل هذه الأصوات النقية هي التي تُعيد للقرآن الكريم رونقه، وتُحيي في القلوب محبته، وتجعلنا نعيش مع كلماته بكل جوارحنا.
وها هو الشيخ عمر الجعان يثبت مجددًا أن الصوت الجميل إذا اقترن بالتقوى والإخلاص، فإنه يصبح نورًا يضيء القلوب، وبلسمًا يشفي الأرواح، ودعوةً صامتةً إلى الله دون أن ينطق بكلمةٍ واحدة.