recent
أخبار ساخنة

التاريخ يعيد نفسه والخذلان واحد/شيفاتايمز

التاريخ يعيد نفسه والخذلان واحد

حسين السمنودي 

على مدار سبع سنوات، صمدت طليطلة تحت الحصار الإسباني، متشبثة بأمل لم يأتِ، ومدد لم يصل. وعندما خارت قواها وسقطت، كان الجواب الذي تلقاه أهلها من الإسبان صاعقًا: "ملوك الطوائف الذين راهنتم عليهم كانوا معنا في حصاركم!" هكذا انهار الأمل، وتلاشت الأحلام، ولم تمضِ سنوات حتى سقطت بقية الإمارات الإسلامية في الأندلس، واحدة تلو الأخرى، في مشهد يبدو وكأنه يتكرر عبر التاريخ العربي.

اليوم، لا يختلف المشهد كثيرًا عن الأمس. الساحات العربية تمتلئ بالجراح، والدول التي كانت يومًا حصونًا منيعة باتت ممزقة بين حروب أهلية، وصراعات داخلية، وتدخلات خارجية. كل دولة عربية تُحاصر اليوم، ليس بجيوش الأعداء فحسب، بل بانقساماتها الداخلية، وتنازع أبنائها، وغياب الوحدة التي كانت لتجعلها أقوى في مواجهة العواصف.

في كل زمن، يظهر ملوك طوائف يرتدون عباءة الوطنية، لكنهم في حقيقة الأمر مجرد أدوات تُستخدم لتفتيت الأوطان. تمامًا كما وقف ملوك الطوائف في الأندلس إلى جانب الإسبان طمعًا في الحفاظ على عروشهم، نجد اليوم حكامًا يبررون الاحتلال، وقيادات تفرط في الأرض، وسياسيين يعقدون الصفقات على حساب شعوبهم، وقوى داخلية تسعى لإسقاط الدول من الداخل.

من غزة المحاصرة التي يُذبح أهلها يوميًا وسط صمت مخجل، إلى العراق الذي أنهكته الحروب والصراعات الطائفية، وسوريا التي تحولت إلى ساحة صراع دولي، واليمن الذي يعاني ويلات التمزق، والسودان الغارق في الفوضى، ولبنان الذي يقف على حافة الانهيار، وليبيا التائهة وسط دروب الحياة كلها حلقات في سلسلة طويلة من الانهيارات المتتالية. وما أشبه حال هذه الدول بحال طليطلة التي صمدت وحدها تنتظر العون، لكنها في النهاية لم تجد سوى الخذلان.

أما فلسطين، فقد أصبحت اليوم تعيش حصارًا أشد قسوة، ليس فقط من العدو الصهيوني، ولكن من بعض أبناء جلدتها الذين وقفوا إلى جانب المحتل، وساهموا في إحكام الخناق عليها. هناك من يفتح المعابر لإدخال مايلزم من الطعام والدواء والشراب ولكن  للمحتل رأي ٱخر فيفسد  ويغلق كل أبواب النجاة فى وجوه الأبرياء المحاصرين ، وهناك من يوفر الدعم الإعلامي والسياسي للصهاينة، وهناك من يمدهم بالسلاح، وهناك من يوقع اتفاقيات التطبيع وكأن الدم الفلسطيني لا يعني شيئًا. ملوك الطوائف الجدد لم يكتفوا بالخذلان، بل باتوا شركاء في الحصار، وعونًا للأعداء، تمامًا كما حدث في الأندلس قبل سقوطها.

عندما سقطت طليطلة، لم يتوقف المشروع الاستعماري عندها، بل امتد ليطيح ببقية الإمارات الإسلامية في الأندلس. واليوم، كل دولة عربية تسقط تُضعف بقية الدول، وكل تفكك داخلي يفتح المجال لعدو جديد، حتى يصل الدور إلى الجميع. فهل سنفهم الدرس قبل فوات الأوان؟ أم أننا سنُترك للخذلان حتى يأتي يوم يُقال فيه: "أين العرب؟ لقد كانوا معنا في حصاركم!"

التاريخ لا يرحم، ومن لا يتعلم من دروسه، يعيد أخطاءه بأبشع صورة. والأندلس لم تسقط دفعة واحدة، بل كان سقوطها نتيجة طبيعية لسنوات من الفرقة والخيانة والتواطؤ. واليوم، نحن أمام مشهد مماثل، فإما أن نستيقظ ونتعلم، أو ننتظر مصيرًا مشابهًا، ربما أكثر قسوة.
google-playkhamsatmostaqltradent