جماعات الموت في الأوطان العربية.. صفحات سوداء من التاريخ
حسين السمنودي
لم يكن الوطن العربي يومًا بعيدًا عن نيران جماعات الموت، بل كان مسرحًا رئيسيًا لصراعاتها، حيث تتغير الأسماء واللافتات، لكن الفكرة واحدة: هدم الدول، وزرع الفوضى، واستغلال الدين والسياسة لتحقيق أجندات مشبوهة.
بدأت بعض هذه الجماعات كحركات متطرفة تدّعي الدفاع عن قضايا معينة، لكنها سرعان ما تحولت إلى أدوات تخريبية تدمر أكثر مما تبني. في العراق، برزت تنظيمات مثل القاعدة ثم داعش، اللذان دمّرا مدنًا بأكملها وارتكبا أبشع الجرائم تحت راية زائفة. وفي سوريا، انتشرت الميليشيات المتطرفة التي قسمت البلاد وأغرقتها في الدماء، مدعومة بأجندات خارجية لا تريد لهذه الأرض أن تهدأ.
في ليبيا واليمن ولبنان، أخذت الميليشيات المسلحة شكلاً آخر، حيث تحولت إلى جيوش داخل الدولة، تنافس الحكومات الشرعية، وتفرض واقعًا من العنف والسيطرة بقوة السلاح. في لبنان، نجد حزب الله، الذي لم يعد مجرد فصيل سياسي، بل أصبح قوة عسكرية تتجاوز الدولة نفسها، تخوض حروبًا بالوكالة وتنفذ أجندات خارجية. أما في اليمن، فميليشيا الحوثي تمثل وجهًا آخر لهذا الخطر، حيث تحولت البلاد إلى ساحة حرب دائمة تخدم مصالح قوى إقليمية ودولية.
وفي مصر، لم تكن الجماعات المتطرفة بعيدة عن هذا المشهد الدموي، فقد شهدت البلاد عقودًا من المواجهات مع تنظيمات مثل الجماعة الإسلامية والجهاد، اللتين ارتكبتا عمليات إرهابية راح ضحيتها مئات الأبرياء. ومع صعود جماعة الإخوان، تحولت البلاد إلى ساحة اضطرابات، حيث لجأت الجماعة بعد سقوطها إلى العنف والتخريب، فشهدت مصر موجات من العمليات الإرهابية، استهدفت الجيش والشرطة وحتى المدنيين في محاولة يائسة لإسقاط الدولة. وكان أخطر هذه الفصول هو ظهور الجماعات المسلحة في سيناء، مثل أنصار بيت المقدس، الذين بايعوا داعش وسعوا لنشر الفوضى، لكن القوات المسلحة المصرية واجهتهم بضربات قاصمة أفشلت مخططاتهم.
السؤال الأهم: من يمول هذه الجماعات ويسلحها؟ لا يمكن إنكار أن هناك دولًا كبرى تستفيد من وجود هذه التنظيمات لإضعاف الجيوش العربية وإبقاء المنطقة في حالة اضطراب دائم. كما أن تجارة السلاح والمصالح الاقتصادية تلعب دورًا كبيرًا في إبقاء نيران هذه الحروب مشتعلة.
لن تنتهي هذه الجماعات بالقوة العسكرية وحدها، بل تحتاج المواجهة إلى وعي مجتمعي، وإصلاح فكري، وتجفيف منابع تمويلها. يجب أن تكون هناك خطط شاملة لمحاربة الفكر المتطرف، وإعادة بناء الدول التي مزقتها هذه التنظيمات، حتى لا تظل الأوطان العربية رهينة لجماعات لا تعرف سوى لغة الدم والخراب.