recent
أخبار ساخنة

العالم الإسلامي بين مطرقة الفُرقة وسندان الأطماع الدولية/شيفاتايمز



العالم الإسلامي بين مطرقة الفُرقة وسندان الأطماع الدولية

بقلم: د/حسين السمنودي

"لسة بدري علينا أوي".. بهذه الكلمات التي تحمل في طياتها الألم والواقعية، عبّر الأستاذ محمد علي، ابن منطقة العصارة الجديدة التابعة لحي المرج بالقاهرة، عن إحساسه العميق بأن وحدة العالم الإسلامي قد باتت ضربًا من المستحيل، نظرًا لما يحيط بها من صراعات داخلية وخارجية لا تهدأ. كلماته ليست مجرد تعبير عن رأي شخصي، بل تلخص واقعًا يعيشه المسلمون في شتى بقاع الأرض، حيث أصبحوا فريسة سهلة لقوى عالمية لا تتوقف عن بث الفتن، وإشعال النزاعات، وفرض سياسات التبعية التي تضمن استمرار الهيمنة على مقدراتهم.

مخططات التفتيت.. استراتيجية قديمة تتجدد

منذ قرون طويلة، والعالم الإسلامي يعاني من محاولات تفتيت ممنهجة، بدأت بتقسيمه إلى دويلات صغيرة بعد سقوط الدولة العثمانية، واستمرت حتى يومنا هذا بأساليب أكثر تطورًا وخبثًا. لم تكتفِ القوى الكبرى برسم الحدود بين الدول الإسلامية، بل تعمدت إشعال النزاعات فيما بينها، سواء كانت سياسية أو طائفية أو عرقية، لضمان عدم وجود تكتل إسلامي قوي قادر على التأثير في موازين القوى العالمية.

الصراعات الداخلية.. الوجه الآخر للحرب

لم تكن الحروب العسكرية وحدها هي الوسيلة لإضعاف العالم الإسلامي، بل تم استخدام أسلحة أكثر خطورة، مثل دعم التيارات المتطرفة، وتأجيج الحروب الأهلية، وتمويل جماعات انفصالية داخل الدول الإسلامية نفسها. فكم من دولة عربية أو إسلامية غرقت في مستنقع الصراعات الداخلية، لتجد نفسها مستنزفة اقتصاديًا وعسكريًا، غير قادرة على النهوض أو اتخاذ موقف قوي في القضايا المصيرية للأمة.

النهب الاقتصادي.. السيطرة على الثروات الإسلامية

العالم الإسلامي ليس فقيرًا، بل هو من أغنى مناطق العالم بالموارد الطبيعية، من نفط وغاز ومعادن ومياه ومساحات زراعية شاسعة، ومع ذلك، نجد أن شعوبه تعاني من الفقر والجوع والتخلف. هذا التناقض الصارخ ليس محض صدفة، بل هو نتيجة سياسات ممنهجة تهدف إلى إبقاء هذه الدول تحت سيطرة اقتصادية تفرضها المؤسسات المالية العالمية، والشركات الاحتكارية، والاتفاقيات التجارية المجحفة.

الدين الخارجي كسلاح استعماري

أحد أخطر الأسلحة التي تُستخدم ضد الدول الإسلامية هو سلاح الديون، حيث تُغرق هذه الدول في قروض بمليارات الدولارات بشروط قاسية، مما يجعلها رهينة لإملاءات القوى الكبرى. ويتم استغلال هذه الديون للضغط على الحكومات لتنفيذ سياسات اقتصادية تخدم الشركات العالمية، لا مصالح الشعوب، وهو ما يؤدي إلى المزيد من الفقر والتبعية.

حرب الوعي.. السيطرة على العقول قبل الأرض

إحدى أخطر أدوات الهيمنة على العالم الإسلامي ليست فقط الأسلحة والجيوش، بل الإعلام والتعليم والثقافة. فمن خلال وسائل الإعلام الموجهة، يتم تضليل الشعوب، ونشر الفتن، وتغييب الحقائق، وصرف الانتباه عن القضايا الجوهرية التي تحدد مصير الأمة.

..تشويه الهوية الإسلامية

يتم العمل على تشويه الهوية الإسلامية عبر ترويج نماذج دخيلة لا تمت للإسلام بصلة، سواء عبر الإعلام أو الفن أو حتى المناهج التعليمية. فالهدف هو جعل الشباب المسلم يشعر بالاغتراب داخل ثقافته، ويفقد ارتباطه بتاريخه وحضارته، ليصبح أكثر قابلية لتبني القيم الغربية دون وعي، وبالتالي يصبح مجرد تابع للمنظومة الاستهلاكية العالمية، بلا رؤية أو هدف.
الفوضى الممنهجة.. استراتيجية إبقاء الشعوب تحت السيطرة
لم تكتفِ قوى الهيمنة بإضعاف الدول الإسلامية اقتصاديًا وعسكريًا وثقافيًا، بل عملت أيضًا على نشر الفوضى في مجتمعاتها، سواء من خلال خلق أزمات اجتماعية، مثل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، أو عبر دعم جماعات متطرفة لنشر الإرهاب، أو حتى من خلال بث الانحلال الأخلاقي الذي يضرب نسيج المجتمعات الإسلامية في العمق.
هل هناك أمل في النهضة الإسلامية؟
رغم هذه التحديات والمخططات التي لا تتوقف، إلا أن الأمل لم ينتهِ. فهناك دائمًا إمكانية للنهوض، لكن ذلك يتطلب إرادة حقيقية على عدة مستويات:
1. الوحدة قبل كل شيء: لن تستطيع أي دولة إسلامية بمفردها مواجهة القوى الكبرى، لذا فإن التعاون والتكامل الاقتصادي والسياسي والعسكري بين الدول الإسلامية هو السبيل الوحيد لمواجهة الهيمنة العالمية.
2. استثمار الثروات بذكاء: يجب أن تتجه الدول الإسلامية إلى استغلال مواردها بشكل مستقل، بعيدًا عن سيطرة القوى الخارجية، من خلال بناء صناعات محلية قوية، والاستثمار في التكنولوجيا والتعليم.
3. إصلاح التعليم والإعلام: لا يمكن أن تنهض أي أمة دون وعي، لذا فإن تطوير مناهج التعليم بما يعزز الهوية الإسلامية، وإنشاء إعلام مستقل بعيد عن التبعية، هو أمر ضروري لاستعادة القوة الفكرية والثقافية للعالم الإسلامي.
4. التصدي للمخططات الخارجية: يجب أن يكون هناك وعي كامل بالمخططات التي تستهدف العالم الإسلامي، من خلال تعزيز الأمن الداخلي، ودعم المشاريع الاقتصادية المستقلة، وبناء جيوش قوية قادرة على حماية مقدرات الأمة.
وختاما لذلك يبقى سؤال .هل سنظل في دائرة الاستضعاف؟

ما قاله الأستاذ محمد علي من واقع تجربته في منطقة العصارة الجديدة بحي المرج، هو انعكاس لما يشعر به الملايين من أبناء العالم الإسلامي. فإما أن يستمر المسلمون في دائرة الصراعات والتبعية، أو يقرروا كسر هذه الحلقة عبر التكاتف والوعي والعمل الجاد. فالقضية ليست مجرد حلم بعيد المنال، بل خيار مصيري سيحدد مستقبل الأجيال القادمة.

إن العالم الإسلامي يملك كل مقومات القوة، لكنه بحاجة إلى إرادة حقيقية تعيد له مكانته المفقودة. فهل نحن مستعدون لهذه المواجهة، أم سنظل نردد: "لسة بدري علينا أوي"؟
google-playkhamsatmostaqltradent