حسين السمنودي
على مر العصور، كانت مصر مثالًا حيًا للوحدة الوطنية، حيث وقف المسلمون والمسيحيون تحت راية واحدة، يواجهون الصعاب ويضربون أروع الأمثلة في التكاتف والتلاحم. لم تكن هذه الوحدة مجرد شعارات، بل كانت واقعًا ملموسًا تجسد في مواقف لا تُحصى، حيث واجه المصريون محاولات زرع الفتنة، وقدموا أرواحهم فداءً لوطنهم، دون النظر إلى الدين أو العقيدة.
لقد شهد التاريخ محطات حاول فيها الأعداء النيل من هذا النسيج الوطني، بدءًا من الاستعمار الذي سعى إلى تفريق الشعب بزرع الفتن الطائفية، مرورًا بجماعات الإرهاب التي حاولت ضرب استقرار البلاد، وليس انتهاءً بالمحاولات المستمرة لبث الشائعات والأكاذيب التي تستهدف وحدة المصريين. لكن كل هذه المحاولات فشلت أمام صخرة الصمود الشعبي، حيث أثبت المصريون أن الدماء التي سالت على هذه الأرض لا تفرق بين مسلم ومسيحي، وأن من يحاول المساس بهذه الوحدة مصيره الفشل الذريع.
في ثورة 1919، خرج المصريون مسلمون ومسيحيون يهتفون "يحيا الهلال مع الصليب"، في مشهد جسّد أسمى معاني الإخاء الوطني. لم تكن هذه الثورة مجرد انتفاضة ضد الاحتلال البريطاني، بل كانت تأكيدًا على أن المصريين جسد واحد، لم تفلح محاولات المستعمر في تقسيمه. وقف شيخ الأزهر والقساوسة في صف واحد، يقودون الجماهير نحو الاستقلال، في رسالة واضحة أن مصر لا تعرف الطائفية.
وفي السنوات الأخيرة، حاولت قوى الشر بث الفتن عبر عمليات إرهابية استهدفت دور العبادة، لكن الرد المصري كان أعظم من أن تنال منه هذه المحاولات. بعد تفجيرات الكنائس، هرع المسلمون لإنقاذ إخوانهم، ووقف الأزهر والكنيسة في موقف واحد ضد الإرهاب، ليؤكدوا أن هذه العمليات لم ولن تنجح في زرع الفرقة. وما حادثة الشيخ الذي استُشهد وهو يحمي كنيسة إلا دليل على أن المصريين لا يُفرّق بينهم شيء عندما يتعلق الأمر بوطنهم.
لم يكن الجيش المصري يومًا جيش طائفة أو فئة، بل هو جيش الشعب بأكمله. في ميادين القتال، لم يكن الجندي يسأل زميله عن دينه، بل كانوا جميعًا يحملون راية واحدة، يقاتلون من أجل هدف واحد: حماية مصر. وعلى أرض سيناء، امتزجت دماء المسلمين والمسيحيين في معارك الشرف، ليكتبوا تاريخًا جديدًا يؤكد أن مصر لا تُكسر ولا تنهار.
المؤامرات لم تتوقف، ومحاولات ضرب الوحدة المصرية ما زالت قائمة، لكن التاريخ يقول كلمته: هذا الوطن لا يُفتّت، وهذا الشعب لا يُفرّق. لقد فشل الأعداء في الماضي، وسيفشلون في الحاضر والمستقبل، لأن المصريين يعلمون أن قوتهم في وحدتهم، وأن مصر لن تكون لقمة سائغة لمن يحاولون تمزيقها.
ستبقى مصر حصنًا منيعًا، وستظل رايتها واحدة، وسيبقى المسلم والمسيحي في خندق واحد، يبنيان معًا مستقبلًا لا مكان فيه للفرقة، ولا مجال فيه لمن يحاولون هدم هذا الصرح العظيم.