recent
أخبار ساخنة

فضفضة بجوار قبر أمي: الحزن الذي لا يبرأ

 







فضفضة بجوار قبر أمي: الحزن الذي لا يبرأ


حسين السمنودي 


هناك، تحت ظلال السكون، بجوار قبر أمي، يجتمع في صدري ألم لا يواسيه أحد، وحنين لا تهدأ ثورته. هنا، حيث تغيب الشمس عن قلبي منذ رحيلها، أتحدث إلى التراب الذي يحتضنها، وكأنني أبحث عن أمل ضائع بين ذراته.


كلما زرت قبرها، أشعر بأن قدماي لا تحملانني، وأن الهواء يثقلني أكثر مما يحتمل صدري. أمدّ يدي نحو القبر كما كنت أمدها نحوها في الحياة، وكأنني أرجو أن تمسك بي كما كانت تفعل دائمًا، لكنني لا أجد سوى صمت القبور.


يا أمي، كيف أشرح ألم هذا الفراغ الذي تركته في حياتي؟ كيف أصف الوحدة التي غزت روحي منذ أن غبتِ؟ كنتِ ملاذي في لحظات ضعفي، الحبل الذي كنت أتشبث به حين تضيق بي الحياة. أما الآن، فأنا أتشبث بالذكريات، أخاف أن تتلاشى كما تلاشى دفء صوتك وضحكتك.


أتذكر ليالي مرضك وكأنها بالأمس، كنتُ أراكِ تصارعين الألم بصبرٍ عظيم، تبتسمين رغم أوجاعك، وكأنكِ تخفين عني خوفك ووجعك حتى لا تقلقيني. يا ليتني كنت أستطيع أن أحمل عنك كل هذا الألم، يا ليتني كنتُ أكثر إدراكًا لقيمتك في كل لحظة.


اليوم، عندما أستيقظ، أبحث عنكِ في تفاصيل حياتي، في الأماكن التي كنتِ تملئينها بحضورك، في الروائح التي تحمل عبقك، في كلماتك التي كانت تبعث الأمل في قلبي. لكنكِ غائبة، وأصبحت الحياة رمادية اللون، خالية من كل طعم ومعنى.


فراقكِ يا أمي ليس مجرد شعور عابر، إنه نزيف مستمر في أعماق قلبي. لا يوجد يوم يمر دون أن أشتاق إلى يديكِ وهما تمسحان عني التعب، إلى دعائكِ الذي كنت أشعر به كحبل نور يربطني بالسماء، إلى صوتكِ وهو يدعوني باسمي وكأنني أهم إنسان في العالم.


الناس يمرّون بحياتي كما يمرّ عابرو السبيل، يواسونني بالكلمات ثم يرحلون، لكن حزني مقيم لا يغادرني. أشتاق إليكِ في صمتي، في ضحكي، حتى في أحلامي. أشعر بأن روحي انقسمت إلى نصفين: نصفٌ رحل معك، ونصفٌ بالكاد يعيش هنا.


أقف بجوار قبركِ وأتساءل: هل تسمعينني؟ هل تلمسين دمعي؟ هل تشعرين بحزني؟ أرجو أن تري كم أفتقدكِ، كم أحتاج إلى دعواتكِ التي كانت تُزيح عني أثقال الدنيا.


يا أمي، لو عاد الزمن، لكنت أقضي كل لحظة بجانبك، أقبّل يديكِ وأخاف عليكِ أكثر. لكن الزمن لا يعود، ولا شيء يعوض غيابك. كل ما أملكه الآن هو أن أطلب من الله أن يرحمكِ كما رحمتني، أن يجعلكِ في جنةٍ عرضها السماوات والأرض، وأن يجمعني بك يومًا ما حيث لا حزن ولا ألم.


وحتى ذلك اليوم، سأبقى هنا، أزاحم الحزن بالدعاء، وأروي التراب الذي يحتضنكِ بدموعي، وأعيش على ذكراكِ التي لن تفارقني ما حييت. أمي... سأظل أشتاقكِ حتى يتوقف قلبي عن الخفقان.

google-playkhamsatmostaqltradent