أصحاب المليارات السرسجية
حسين السمنودي
خلال السنوات الأخيرة، ظهر جيل من المغنيين الذين يعتمدون على التوجهات السريعة التي يطلبها "الترند" بدلاً من تقديم فن حقيقي يعكس الثقافة المصرية أو يحمل رسالة هادفة. الكثير منهم يروجون لأغنيات لا تعكس القيم الأخلاقية أو الاجتماعية المطلوبة، وتستهدف محتوىً مفرطًا في السطحية أو الإثارة فقط. وقد استفاد هؤلاء من وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق شعبية ضخمة وثراء سريع. هذا التأثير الفني السلبي أدخل نوعًا من التشوه في الذوق العام، حيث أصبح الشباب يقلدون هذه الشخصيات بدلاً من الاهتمام بالرموز الفنية الهادفة.
.... الاقتصاد غير الرسمي و"مليارديرات تحت الطاولة"
بعض رجال الأعمال تمكنوا من بناء ثروات ضخمة عبر طرق مشبوهة، معتمدين على الأنشطة غير القانونية كالتهرب الضريبي أو الاحتكار، مما يُلحق أضرارًا مباشرة بالاقتصاد الوطني. الاقتصاد غير الرسمي يمثل تهديدًا لأنه يسهم في تضخم ثروات هؤلاء الأشخاص دون رقابة كافية، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد الشرعي ويقلل من فرص الاستثمار الحقيقي. وجود هذه الأنشطة يشجع على الفساد الإداري ويعمق الانقسام بين الأغنياء والفقراء، ويزيد من الشعور بعدم العدالة الاجتماعية.
.... التأثير الاجتماعي ونماذج القدوة المضللة
انتشار قصص الثراء السريع والنجاح المزيف الذي يحققه هؤلاء المغنيين ورجال الأعمال أصبح يغري الشباب بتقليدهم، ما جعل بعض الفئات الشابة تعتقد بأن المال يمكن تحقيقه بسهولة ودون مجهود حقيقي. هنا تتغير مفاهيم النجاح، ليصبح معيار الثراء لا يعتمد على القيم الأخلاقية أو الاجتهاد، بل على الطرق السهلة للوصول، وهو ما يشوه مفهوم القدوة. يترتب على ذلك انجراف الشباب نحو اتباع وسائل مختصرة وغير أخلاقية لتحقيق النجاح، مما يزيد من ضياع القيم الحقيقية للتفوق.
.... الإعلام والسوشيال ميديا ودورهما في تفشي الظاهرة
تعزز وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من انتشار هؤلاء الأشخاص عبر توفير منصات لهم دون أي مساءلة أو تدقيق على المحتوى الذي يقدمونه. السوشيال ميديا تحولت إلى أداة ترويجية لأفكار وسلوكيات غير صحية عبر تضخيم إنجازات أو مواقف سطحية، مما يصنع شهرة غير مبررة لهؤلاء. وهذا يشجع الإعلام أيضًا على تقديمهم كأمثلة ناجحة بدلًا من التركيز على النماذج المثالية في مجالات أخرى مثل العلم أو الرياضة.
... التأثير الثقافي والتغيير في القيم العامة
انتشار هذه الظاهرة ساهم في تعزيز ثقافة الاستهلاك السريع والسطحية على حساب القيم الثقافية التي تتمتع بها مصر منذ القدم. التأثير الثقافي الذي تحدثه هذه الظاهرة يؤدي إلى تآكل هوية المجتمع ويزعزع الثقة في الأجيال الجديدة، الذين يرون بأن الشهرة والمال ممكنان بدون الجهد الفعلي. كما أن التشويه الثقافي لا يقتصر على الأجيال الجديدة فحسب، بل يؤثر على السمعة العامة للمجتمع ككل، حيث تتنامى صورة سلبية عن الشباب المصري في الخارج.
الحل: الدور المجتمعي في مواجهة الظاهرة
للحد من تأثير هذه الظاهرة، يجب أن يكون هناك وعي مجتمعي يتبنى القيم الصحيحة ويعزز من ثقافة العمل والاجتهاد. وللإعلام دور كبير هنا، عبر التوقف عن تقديم هؤلاء كأمثلة للنجاح، وتسليط الضوء بدلًا من ذلك على النماذج الحقيقية التي تسهم في بناء مستقبل مستدام.