الصراع العربي-الصهيوني: بين المقاومة والمفاوضات - مصر في قلب الصراع
حسين السمنودي
يُعتبر الصراع العربي-الصهيوني أحد أكثر الصراعات تأثيراً واستمرارية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، فهو صراع تجذّر منذ أوائل القرن العشرين ولا يزال يلقي بظلاله على سياسات المنطقة حتى يومنا هذا. كانت مصر دائمًا في طليعة هذا الصراع، سواء من خلال الحروب المباشرة مع إسرائيل أو من خلال مبادرات السلام والمفاوضات. هذا المقال يستعرض أبعاد هذا الصراع من المنظور المصري، بدءًا من جذور الصراع، مرورًا بالحروب التي خاضتها مصر، وصولاً إلى اتفاقيات السلام والدور المصري الحالي.
الجذور التاريخية للصراع
يعود الصراع العربي-الصهيوني إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عندما بدأت الحركة الصهيونية تسعى إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ومع تصاعد الهجرة اليهودية إلى فلسطين خلال الانتداب البريطاني، بدأ السكان العرب يشعرون بالخطر على مستقبلهم في تلك الأراضي. هذا الصراع تضاعف بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في عام 1948 وما نتج عنه من تهجير للفلسطينيين.
مصر والحروب مع إسرائيل
1. حرب 1948: انضمت مصر إلى الحرب العربية-الإسرائيلية الأولى فور إعلان قيام دولة إسرائيل، وكان ذلك في إطار التحالف العربي الذي هدف إلى منع إقامة الدولة الصهيونية. انتهت الحرب بتوقيع هدنة، ومع ذلك، كانت خسارة العرب كبيرة، حيث تم تأسيس دولة إسرائيل، وبدأ النزاع يأخذ طابعًا أكثر تعقيدًا.
2. العدوان الثلاثي (1956): جاءت أزمة السويس والعدوان الثلاثي كنتيجة لتأميم الرئيس جمال عبد الناصر لقناة السويس. ردت إسرائيل، بريطانيا وفرنسا بشن هجوم عسكري على مصر، لكن الانتصار السياسي الذي حققته مصر والدعم الدولي الذي حصلت عليه جعل عبد الناصر رمزًا للمقاومة العربية.
3. حرب 1967: كانت من أكبر الهزائم التي تعرض لها العرب، حيث احتلت إسرائيل سيناء من مصر، والضفة الغربية من الأردن، والجولان من سوريا. هذه الحرب شكّلت نقطة تحول في مسار الصراع، ودعت مصر إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها تجاه إسرائيل.
4. حرب أكتوبر 1973: تمثل هذه الحرب واحدة من أهم المحطات في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي. شنّت مصر وسوريا هجومًا مفاجئًا على القوات الإسرائيلية في سيناء والجولان في محاولة لاستعادة الأراضي المحتلة. على الرغم من أن الحرب انتهت بوقف إطلاق النار، إلا أن مصر حققت انتصارًا استراتيجيًا وسياسيًا مهّد الطريق لمفاوضات السلام.
مصر واتفاقيات السلام
1. اتفاقية كامب ديفيد (1978): بعد حرب أكتوبر، بدأت مصر تتجه نحو المفاوضات السياسية كحل لاستعادة أراضيها. وقّع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل بوساطة الولايات المتحدة، والتي أدت إلى استعادة سيناء بشكل كامل مقابل الاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها. أثارت هذه الخطوة انتقادات واسعة في العالم العربي، لكنها مثّلت تحولًا كبيرًا في السياسة المصرية.
2. دور مصر في دعم القضية الفلسطينية: رغم توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، ظلت مصر تدعم القضية الفلسطينية دبلوماسيًا وسياسيًا، وكانت لاعبًا أساسيًا في جهود المصالحة الفلسطينية الداخلية ومحاولات دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
مصر في الصراع الحديث
مع مرور الوقت، تغيرت طبيعة الدور المصري في الصراع العربي-الإسرائيلي. بعد ثورات الربيع العربي وتغير القيادة المصرية، استمر النظام المصري في لعب دور الوسيط بين الأطراف المختلفة، وخاصة في النزاعات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل. كما أن مصر حافظت على موقفها الثابت من حل الدولتين كحل دائم للصراع، واستمرت في دعم حقوق الفلسطينيين ضمن حدود الممكن.
وختاما لذلك يبقى الصراع العربي-الصهيوني، ومصر كجزء لا يتجزأ منه، أحد أكثر الصراعات تعقيدًا في المنطقة. فقد لعبت مصر دورًا رياديًا على مدار العقود سواء في الحروب أو في السعي نحو السلام. ويظل موقف مصر اليوم مزيجًا من الواقعية السياسية والحفاظ على حقوق الشعوب العربية، في ظل التحديات المتجددة التي يفرضها هذا الصراع.ومازال الصراع مستمرا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.