في أحد خطاباته الشهيرة، قال السيد رئيس الجمهورية: "إحنا فقراء قوي"، وكأنها نبوءة تترسخ يوماً بعد يوم، حتى صارت واقعاً معاشاً لكل مواطن يعيش في هذه البلاد. في ظل كل القرارات التي تُصدر، وكل السياسات التي تُفرض، يبدو أن هذه الجملة لم تكن مجرد كلمة عابرة، بل أصبحت عنواناً كبيراً لكل ما نعيشه اليوم.
كيف لا نشعر بالفقر، ونحن نُحرم من أبسط حقوقنا في الدعم التمويني؟ كيف لا نُحس بالعوز، ونحن نرى القرارات الجديدة تُقصينا من كل فرصة ممكنة للحياة الكريمة؟ يقولون إننا "فقراء قوي"، وها نحن نرى أنفسنا كذلك، عاجزين عن تغطية احتياجاتنا الأساسية، مُحاصرين بقرارات تحكمها الأرقام الباردة التي لا تعرف شيئاً عن الوجوه المتعبة والأيادي التي تعمل دون كلل لتأمين لقمة العيش؟
هل كانت نبوءة أم اعترافاً صادقاً؟
هل كانت كلمات الرئيس "إحنا فقراء قوي" مجرد نبوءة بأن القادم أصعب؟ أم أنها كانت اعترافاً صادقاً بما نحن فيه الآن؟ لقد أصبح الفقر في هذه البلاد ليس مجرد حالة اقتصادية، بل أسلوب حياة يُفرض علينا بقرارات تتجاهل أبسط حقوقنا في العيش الكريم.
من قال إن امتلاك تكييف أو هاتف محمول أو حتى زيادة استهلاك الكهرباء يُحولنا فجأة إلى أغنياء؟ ومن قال إن من يتقاضى مرتباً زهيداً يستطيع أن يواجه به الغلاء الفاحش والأسعار التي لا تهدأ؟ نحن نعيش في واقع لا يرحم، واقع يصرخ كل يوم بأن "إحنا فقراء قوي"، ويزيد من وطأة هذا الفقر قرارات لا تراعي إنسانيتنا ولا تُقدر كرامتنا.
الفقر ليس عيباً، ولكن..!
الفقر ليس عيباً، ولكنه يصبح عاراً عندما يُفرض علينا بالقوة، وعندما نجد أنفسنا نُحاسب على كل شيء صغير، حتى على أبسط حقوقنا في الحياة. كلمات الرئيس كانت تحمل نبوءة، لكنها لم تحمل حلاً. تركتنا في مواجهة واقع صعب، وقرارات تزيد من فقرنا، وتجعلنا نشعر بأننا فعلاً "فقراء قوي"، ليس فقط بالمال، بل في الكرامة والحقوق.
كيف لنا أن ننتمي ونحن "فقراء قوي"؟
كيف يُمكن لنا أن نشعر بالانتماء لوطن يُخبرنا كل يوم أننا "فقراء قوي"، دون أن يُقدم لنا شيئاً سوى المزيد من العوز والحرمان؟ كيف يُمكن للوطن أن يطلب منا الولاء والانتماء، وهو لا يقدم لنا سوى قرارات تزيد من أعبائنا، وتُشعرنا بأننا غير مرئيين، مجرد أرقام تُضاف أو تُحذف من جداول الدعم التمويني؟
إن كنا "فقراء قوي"، فلتكن القيادة على الأقل صادقة في البحث عن حلول، لا أن تُكرس لهذا الفقر بسياسات تزيد من شعورنا بالغربة في وطننا. نريد أن نعيش بكرامة، أن نحيا حياة تليق بالإنسان، لا أن نُعامل كأننا مجرد أرقام بلا روح، بلا حق، بلا أمل.
"إحنا فقراء قوي" ليست مجرد جملة، إنها واقع، ونحن من حقنا أن نسأل: إلى متى؟