قصة من عبق التاريخ " الخليفة العباسي هارون الرشيد" / شيفاتايمز
بقلم / سيد ابوبكر محمود مدير مكتب نصر النوبة
وُلد هارُون الرَّشيد في مدينة الرَّي من إقليم الجِبال، وقد تلقَّى تعليمًا جيدًا، وأحب العِلم والأدب، كما تدرَّب على الفُروسيَّة والفُنون القتاليَّة. ولَّاهُ أبوه المهدي ولاية العهد بعد أخيه مُوسى الهادي بعد أن نجح في حملته الأُولى ضد الرُّوم، ثم أرسلهُ لقيادة حملة جهاديَّة ثانية وكانت أكبرُ تأثيرًا من الأولى، حيث وصلت أفواج الجيش إلى خليجُ القسطنطنيَّة ما أجبر الإمبراطُورة للمُسارعة إلى طلب الصلح ودفع الجزية لثلاثة سنوات. وبسبب قُدرات الرَّشيد وانتصاراته وإخضاعه لأعداء الخلافة، قرَّر المهدي أن يُقدم ولايتُه على أخيه الهادي، إلا أنه تُوفي آنذاك في أثناء مسيره نحو خُراسان لعزل الهادي بقُوة، ليُصبح الأخير خلفًا له في قيادة الدولة العبَّاسيَّة. حاول الهادي عزل أخيه الرَّشيد عن ولاية العهد لصالح ابنه جعفر، وسعى في ذلك وتشدَّد بهدف الضغط عليه، إلا أنه لم يتمكَّن من ذلك، حيث توفي بعد حوالي سنةً من حُكمِه من مرض، وقيل بالسُّم.سمته والدته الخيزران عندما علمت مخطط ابنها الاكبر
بُويع هارُون الرَّشيد خليفةً بعد الهادي، وورث بِلادًا مُترامية الأطراف، فقد امتدَّ أرجاء حُكمِه من بِلاد ما وراء النَّهر والسَّند شرقًا حتى إفريقيَّة غربًا، ومن اليَمَن جُنوبًا، حتى أرَّان وبلاد الكُرْج شمالًا، فحكمها في البداية بالتعاون مع وزيرُه يحيى البرمكي، وواجه تحديَّات وثوراتٍ عديدة ضده، فاستطاع احتواء بعضها عبر سياساتٍ دبلوماسيَّة، ومُواجهة البقية بحملاتٍ عسكريَّة، ففرض سُلطتُه في كُل مكان من أنحاء الخلافة، حتى قال مقولتهِ الشَّهيرة حينما رأى الغَيْث فوقُه: «اذهبي حيثُ شئتِ يأتني خَراجَك».
يعتبر هارون الرشيد من أشهر الخلفاء العباسيين، وأكثرهم ذكرا حتى في المصادر الأجنبية كالحوليات الألمانية في عهد الإمبراطور شارلمان التي ذكرته باسم (ارون)، والحوليات اليابانية والصينية التي ذكرته باسم (الون)، أما المصادر العربية فقد أفاضت الكلام عنه لدرجة أن أخباره قد امتزجت فيها حقائق التاريخ بخيال القصص، ولا سيّما كتاب «ألف ليلة وليلة» التي صورته بالخليفة المسرف في الترف والملذات، وأنه لا يعرف إلا اللهو وشرب الخمور ومراقصة الغانيات. والواقع أن هذا الخليفة كان من خيرة الخلفاء فقد كان يحج عامًا ويغزو عامًا، وذكر أنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق بألف، وكان يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيما إذا وعظ. وقد تم فتح الكثير من البلدان في زمنه، واتسعت رقعة الإسلام واستتب الأمن وعم الرخاء وكثر الخير بما لا نظير له ثم إن هذا الخليفة كان حسن السيرة والسريرة.
كذلك كان يصور بصورة الخليفة الحذر الذي يبث عيونه وجواسيسه بين الناس ليعرف أمورهم وأحوالهم، بل كان أحيانًا يطوف بنفسه متنكرًا في الأسواق والمجالس ليعرف ما يقال فيها. والواقع هذه الصورة المتباينة للرشيد ما هي إلا انعكاس للعصر الذي عاش فيه بمحاسنه ومساوئه، وهو العصر العباسي الأول أو العصر الذهبي للإسلام. وقد تميز عصره بالحضارة والعلوم والازدهار الثقافي والديني، وأسس المكتبة الأسطورية بيت الحكمة في بغداد، وبدأت بغداد خلال فترة حكمه بالازدهار كمركز للمعرفة والثقافة والتجارة.
والي اللقاء في قصة جديدة من عبق التاريخ
وكل عام وانتم بخير
