الغرفة البيضاء بقلم الدكتورة رشا ضاهر
الخميس ٤ ابريل ٢٠٠٣
في تمام الخامسة لا تعلم هي إن كان صباح أم ليل
فقد اختلت عقارب ساعتها ....
...صاحب محل الورود بأسفل المنزل صورة لكوبين من عصير المانجو ... الشجرة العملاقة التي تخفي معالم العقار بأكمله.... وفي منتصف السرير تظهر فجأة صورة عازف الساكس وهو يغمض عنينه ويتمايل للخلف برأسه في لحظة إندماج ويحيط كل هذا المشهد صوت نبضات قلبين ترتفع بكل هذه الصور صعوداً وهبوطاً في هدوء مثير للشفقة ..
ثم تصمت للحظات ناظرة اليه.
هل تسللت امرأة غيري لفراشك في غيابي ؟ هل سرقت مني نظراتك المشتاقة دوماً ؟هل أخبرتها كما كنت تخبرني بأن تلك العينين تزهق روحك ألف مرة ف الدقيقة ؟هل نظرت اليها نظرتنا الطويلة جدا واخبرتها بأن كل حسناوات أوروبا لا يمتلكون ولو حتي القليل من جاذبيتها من روحها السابحة في كل اتجاه كالفراشات
انطق دافع عن نفسك
ثم فتحت دولاب ملابسه وامسكت بقيمصه الأبيض وبنطاله الچينز الأزرق قائلة(سيزيدك وسامة أكثر من وسامتك الزائدة بالفعل ...هيا ارتدي ملابسك ولنذهب لغرفة مكتبنا نجلس علي أريكتنا البيضاء ونشاهد فيلمك المفضل (You've Got Mail) وأعدك بصدق إنني لن أشتت انتباهك بتعليقاتي المضحكة التي كانت تخرجك من الحالة الرومانسية ثم تحاوط عنقي بذراعيك كأنك تحاول خنقي ضاحكاً ...
وبعدها سنشاهد الماتش سوياً وأعدك أيضا لن أسألك عن أسماء اللاعبين ولا عن ماذا يعني المعلق بكلمة (أوف سايت) سأصنع لك البطاطس المقلية المقرمشة والفيشار أثناء مشاهدتك للماتش ولكن لا تنظر إلي بطرف عينيك قائلاً(الملح زيادة ست بيت فاشلة).
وسأضع رأسي علي صدرك وأعدك أيضا أن لا أصرخ في وجهك (أفزعتني ياكريم) حينما تنهض من مكانك صائحاً(جوووووون)
بارد جداً جسدك لماذا؟ إنه فصل الشتاء اللعين.... لاعليك .فقر الدم يسبب ذلك يا كريم فأنت تعلم أنني أدرس العلوم الطبية ...مجرد ڤيتامينات صدقني مجرد ڤيتامينات وستصير بخير لا عليك ....
يداي أيضا باردتان فلتلمسهما لماذا لا تريد أن تلمسهما ؟حسناً سأمسك أنا بيداك أعلم أنك منهك
هيا اختبيء داخلي نعم هكذا احسنت ياصغيري..سأحتضنك الٱن بقوة سأخبئك داخلي كما خبأتني داخلك إحدى عشر عاماً ستشعر بالدفء الٱن ستصبر بخير يا أنا .. ستصير بخير لا تخف أنا معك أنا بجوارك قطتك المدلله كما كنت تلقبني
لماذا لا تتحدث معي وتتركني أثرثر هكذا أٌنظر إلي لماذا لا تنظر إلي ؟ أفتقدك كثيراً... متي اسكنت قلبك كل هذه القسوة؟
لون بشرتك اليوم ناصع البياض ..شيء عادي فبشرتك بالأساس بيضاء ولم نخرج صباحاً منذ مدة طويلة لم نتعرض للشمس منذ مدة طويلة حتى أنا بشرتي صارت أكثر بياضاً ليس مثلك بالطبع لأني فى الأساس قمحية اللون ..لا عليك يا كريم سٱخذك غداً ونذهب لمكاناً مفتوحاً وسأجعل مقعدك في مواجهة الشمس ..
اتذكر يا كريم يوم إصابة ساقك اليمني نتيجة قيادتك المتهورة لم نخبر والدتك يومها ...استندت بذراعك علي كتفي وذهبنا للطبيب واخبرنا أنك بخير ... هيا يا كريم استند على جسدي لا يهمك لن يؤلمني اقسم بالله لن يؤلمني لا تخف هيا أنهض..
هيا نذهب سوياً للطبيب كي يطمئن قلبي هيا يا كريم خائفة جداً يا كريم خائفة من صمتك هذا... هيا انهض كيف تتركني هكذا ليست عادتك أن تتركني خائفة ...تغيرت كثيراّ يا كريم
شعرت بك بالأمس في غرفتي تقف خلفي وتشم رائحة شعري ..احفظ صوت أنفاسك عن ظهر قلب ولكني لم التفت خلفي حتي لا تختفي كالمعتاد...
ثم نظرت من نافذة الغرفة للسماء وقالت بنبرة استغراب (كيف صعدت كل هذا الطريق وحدك؟ كيف استمتعت بالرحلة بدوني؟ لن اسامحك هذه المرة.. وحلواك التي تحضرها لي من الخارج وانواع الشيكولاتة الفاخرة وقبلتك الدافئة فوق جبيني لن تجدي معي هذه المرة لن تجدي لم أعد الطفلة التى أحببتها )
سأصطحبك إلى مكان لا يعلمه غيرنا لن أدع الأرض تبتلعك كما ابتلعك ذلك الوحش الكاسر المرض اللعين ربما أنجح هذه المرة سأنجح سأنجح لا تخف .سأراك تتحول لرماد أمامي ويتحلل جسدي معك فقد ركضت روحي وراءك كفاك خبثاً شعرت بك تحتضنها... أنا الٱن بلا روح يا كريم بلا روح)
سأخرج للطرقات كالمجاذيب سأخبر حتى أرصفة الشوارع كل ذرة غبار مررنا فوقها سأخبرها ( قد كان هنا معي اعظم رجل بالعالم ..ولكنه لن يأتي اليوم نظراً لإنشغاله بأعماله الهندسية فهو عبقري في مجاله ويذيع سيطه يوماً بعد يوم رغم صغر سنه .. ولكن أعدكم سنعود مرة أخرى بمجرد انتهائه ... )
ثم اختبئت في ركن الغرفة ضمت ساقيها لصدرها واحاطتهما بساعديها وهي تئن وترتعش ... تخبره بنبرات صوتها المتقطعة ( سأخاف من البحر من ضوء الشمس من السماء التي ابتلعت روحك. من البشر من كل شيء من كل شيء بعدك لن يسكٌنني سوى الخوف ..سأصير سجينة غرفتي الرمادية لاطعم ولا لون ولا رائحة سوى رائحة الموت)
الأحد 4 ابريل ٢٠٢١
تفتح برفق باب الغرفة وكأنه نائم بالغرفة ولا تريد إزعاجه
تتحاشي النظر للمضجع ..كلما اختلست النظر اليه يهب عازف الساكس من مكانه رافعاً ٱلساكسفون لأعلي وكأنه سيهشم رأسها ..جذور الشجرة الممتدة تتحرك من مكانها تتلوي تزحف تطاردها كالثعبان تلتف حول رقبتها تريد أن تخنقها ... حتى الورود اشهرت اشواكها فى وجهها وأخدت تصوب تجاهها تقوم بتقطيع وجهها ..فتعدو مسرعة إلى ركن الغرفة تختبيء داخله تضم ساقيها لصدرهاوتحيطهما بساعديها وهي تئن وترتعش ... تخبره بنبرات صوتها المتقطعة
(ثمانية عشر عام يا كريم لم تفلح عقاقيرهم في انتزاعك . كلما حاولوا انتزاع روحك من داخلي كأنهم ينتزعوا جنينى من رحمي عنوة ...أخبرهم يا كريم أن روحي تؤلمني بدونك ربما يرحلوا عني...لا تنزع روحك من فوق جسدي ملاصقة هي جداً لجسدي وربما تؤلمني ولكن يسعدني ذلك الحائط الذي بنيته بيني وبينهم غيور أنت كنت ومازلت ... أنا أفضل كثيراً وأنا اتألم لأجلك... دعهم يتركوني وشأني .... )
إهداء لعزيزتي وأمي الثانية روز جميلة العينين
أنا أصلا ميت من (١٠٠)سنة فاتت
وعشان روحي اتكشفت علي الغيب
عماله بتضحك
الغرفة البيضاء بقلم الدكتورة رشا ضاهر