recent
أخبار ساخنة

"نَفَسُ الحنين " /شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS
نَفَسُ الحنين
 حسين السمنودي


نَفَسُ الحنين ليس دمعةً تسقط من العين، ولا وجعًا عابرًا يمر بالقلب ثم يمضي، بل هو ذلك الهواء الخفي الذي نتنفسه حين نظن أننا تجاوزنا كل شيء. هو الشعور الذي يأتينا دون استئذان، يربت على الذاكرة برفق، ثم يوقظ فينا ما حسبناه قد نام إلى الأبد. نَفَسُ الحنين هو صوت الأماكن حين تشتاق، ورائحة الوجوه حين تغيب، وخفقة القلب حين يتذكر دون أن يُطالَب بالتذكر.
نحن لا نشتاق للأشياء كما هي، بل نشتاق إليها كما كنا نحن فيها. نشتاق لنسخةٍ قديمةٍ من أنفسنا، كانت أبسط، أقل حذرًا، أكثر صدقًا مع الفرح والحزن معًا. نشتاق لأيامٍ لم نكن نُدرك قيمتها، ولأشخاصٍ ظننا أنهم سيبقون إلى الأبد، فإذا بالزمن يُعلّمنا قسوته بصمت. نَفَسُ الحنين لا يوجع لأنه ماضٍ، بل لأنه يُشبه حاضرًا نبحث عنه فلا نجده.
في نَفَسِ الحنين شيءٌ من الوفاء، وشيءٌ من العجز، وشيءٌ كبير من الإنسانية. هو اعتراف غير مكتوب بأن القلوب لا تُغلق أبوابها تمامًا، وأن بعض الذكريات تملك مفاتيح العودة متى شاءت. قد نضحك ونحن نشتاق، وقد نبتسم والدمع يلمع في العيون، لأن الحنين لا يعرف التناقض؛ هو مزيجٌ عجيب من الألم الجميل، والفرح الحزين.
نَفَسُ الحنين يسكن التفاصيل الصغيرة: أغنية قديمة، طريق مررنا به يومًا، صورة باهتة، كلمة سمعناها في غير وقتها. وفجأة يعود كل شيء دفعة واحدة، كأن الزمن قرر أن يمتحن قلوبنا، ليرى إن كانت ما زالت قادرة على الشعور. وربما لهذا نحب الحنين رغم وجعه، لأنه يُطمئننا أننا ما زلنا أحياء من الداخل، لم تتحول قلوبنا إلى حجر، ولم تجف أرواحنا.
ولأن نَفَسَ الحنين لا يُقاوَم، نتعلم أن نُصادقه لا أن نهرب منه. نتركه يمر، يهمس، يعلّمنا، ثم نُكمل الطريق. فالماضي مكانٌ للزيارة لا للإقامة، والحنين رسالة تذكير لا حكمًا بالسجن. نأخذ منه ما يُصلح قلوبنا، ونترك ما يُثقِل أرواحنا، ونمضي.
وفي النهاية، سيبقى نَفَسُ الحنين شاهدًا علينا، يقول إننا أحببنا بصدق، وعشنا بعمق، وخسرنا وتألمنا، لكننا لم نفقد إنسانيتنا. وربما هذا وحده يكفي.
google-playkhamsatmostaqltradent