recent
أخبار ساخنة

"عاقلة ولكنها مجنونه" /شيفاتايمز

 



"عاقلة ولكنها مجنونه" 

بقلم /  م. د. ع


من زمنٍ بعيد وأنا يشغلُ تفكيري بمَنْ فقدوا عقولهم و تراودني  أسئلة كثيره عنهم لم أجد إجابة لها،وكلما رأيتُ  أحدهم في الشوارع تتوقف قدمي أمامه شاردة الذهن معهُ لتبدأ من جديد تلاحقني الأسئلة التي بداخلي عنه 

فقررت يوما بكل قوة أن أذهب إلى ما يقال عنها (مستشفى الأمراض العقلية) لأرى هؤلاء المرضى التي بها ،و لأنني لا أستطيع دخولها إلا بتصريح و واسطةٌ كبيرة ألحيّتُ على طبيبي النفسيّ الذي يُعالجني مؤكدة لهُ أن زيارتي لها تساعدني كثيرا في شفائي واقتناعي الداخلي بالرضا والشكر على حالي و حالتي النفسية وبعد إلحاحٍ مني مراراً وتكراراً أخيراً أخبرني طبيبي بأنه وافق على زيارتي لها وسيساعدني وسيذهب معي أيضا لكي يسهل دخولي هناك ويعرفني على أصدقائه الأطباء هناك و لمعرفة حالة كل مريض وطبيعة حالته و مرضه بالمشفى 

وأنا في طريقي مع طبيبي كنت أشعرُ بقلقٍ وتوتر وفي نفس الوقت سعادة ولهفة أحاسيس مختلطة لما أفهمها بعد

وعندما وصلنا هناك وأنا أنزلُ من السيارة لدخول المشفى بدأت أشعرُ بثقل في قدمي ولكنني تمالكتُ نفسي أمام طبيبي حتى لا يتراجع في رأيه لقلقهِ عليّ

دخلت معهُ إلى غرفة الأطباء أولاً وبعدما تعرفت عليهم طلبت منهم أن أدخل إلى عنابر بعض هؤلاء المرضى باصطحاب أحد الأطباء معي  

و أثناء مروري بعنابر هؤلاء رأيت منهم مَنْ يضحك كثيراً بدون سبب و مَنْ يتحدث مع نفسه و منهم من هو شارد لا يتكلم وينظُر بعيداً كأنه يرى أشياء لا نراه نحن ومنهم مَنْ يتحرك كثيراً ويلعب و منهم مَنْ يقول كلام غير مفهوم...ولكن فجأة جذبتني إمرأة جميلة ملامحها هادئة فوقفت أمام عنبرها دون أن أشعر وقلبي يخفقُ سريعاً وقفتني نظرت عينها لي بإبتسامتها الرقيقة الجذابة العفوية ،طلبتُ مِن الطبيب أن أجلس و أتحدث معها والحمدلله لم يرفض الطبيب لأنها كانت من الحالات الهادئة المسالمة إلى حدٍ كبير عندهم عرفت من الطبيب أنهم في حيرةٍ من أمرها وحالتها غير مفهومة عندهم  فهي ليست بمريضة وأيضاً ليست عاقلة اندهشتُ من جملة الطبيب فطلبت منهُ أن يتركني معها بعض الوقت وافق وطلب مني إذا شعرت بأي خطر أو شيئ غريب أضغطُ على الجرس فوراً الموجود بالغرفة 

اقتربتُ منها وجلستُ بجانبها على سريرها فقد كانت تجلس وتضم ركبتيّها على قلبها فقلتُ لها:أأنتِ بخير؟

فأجابتني بسؤال غير متوقع:مثلك تماماً أأنتِ بخير؟ احتبستْ دموعي في عيني من سؤالها لي ولكنني تمالكتُ نفسي و سألتُها:ماذا تعنينَ؟

قالت بهدوء: لا تخافي أنا أُشْبهك تماماً حتى في ملامحك 

!ما قصتك؟! و مَنْ أنتِ؟! ولماذا أنتِ هنا ؟

أنا هنا بإختياري بعدما أدركتُ أنهُ أفضلُ مكانٌ لي أشعر براحةٍ فيه بعيداً عن كل البشر حتى نفسي التي مللتُ منها 

!مللتِ منها؟! كيف؟

مللتُ من قلبي وعقلي ونفسي وأفعالي و كل شيئ من حولي أُنْهِكَ قلبي من الحب والسر الذي يحملهُ بداخله وحده وهو لا يشعر بي و لا يقدر مدى حبي العفوي لهُ،ذكيٌ في كل شيئ ولكنهُ للأسف غبيٌ في حبي لهُ،طيبٌ مع كل البشر ولكنهُ قاسٍ  مع قلبي،حاولتُ أن أنساهُ وأكتمُ حبي بقلبي وجدتُ أن حتى قلبي تَعِبَ مني و مِن حبي لهُ وعقلي بدأ يتخلى عني وكان يريد أنْ يرحل مني تدريجيا

حاولتُ أن أتأقلم مع الواقع المؤلم الذي أعيشه على أمل أن يكونَ حبي لهُ النَّفس النقيّ الذي أتنفسه بعمق والطاقة الإيجابية والقوه التي استمدها منهُ لأنهض كل يومٍ من جديد مع إشراقة شمس جديدة كل يوم مُتحَديةٌ الصعاب و المسؤوليات والحزن الذي أعيشُ فيه 

ولكنني للأسف فشلتُ في كل هذا و هو مَنْ كان السبب في فشلي فلم يُساعدُني يوماً ولم يأخُذ بيدي فقد كان الخوف يمتلكهُ وعدم تقديرُه لمدى حبي لهُ كرهني في نفسي وقلبي وأخسرني عقلي الذي كان يرفض البقاء فيِّ لضعفي واستسلامي لحبِه 

فقررتُ يوماً أن أترك العقلاء الجاحدين و أذهب لأعيشُ مع فاقدي العقل العفويين بعد فشلي في تأقلُمي مع الواقع المفروض 

إياكي أن تظُني أنَّ كل هؤلاء بالفعل فاقدين عقولِهم لا ولكن لكلِ منهم قصة أغرب من غيرها،قصةٌ حزينةٌ قوية لم يستطيع كلاً منهم تحملها و تحديها لأنها كانت أقوى من قدراتهم 

قصةٌ و واقع وبشر داسوا عليهم وعلى قلوبهم بكل جبروتٍ وعدم رحمة،ولأنهم  اكثرُ طيبة وحساسية وعفوية من غيرهم لم يتحملوا كل هذه القسوة فخضعوا للاستسلام والفشل 

أنا عرفتهم عندما اقتربتُ منهم وعشتُ معهم 

أتُعنينَ أنهم ضحايا ؟؟

نعم ضحايا لقسوة بشر و مجتمع لا يعرف الرحمة ولا معنى الحب العفوي الحقيقي النادر لا بل المُحال وجوده في هذه الدنيا التي أصبحت كالغابة البقاء فيها للأقوى

خرجتُ من عندها وانا شاردة أكثر و أكثر وقد تملكني القلق والخوف و التوتر من أن أصبح يوماً مثلها،شعرتُ أنني أوشكت أن تصبح نهايتي مثلها و نهاية قصتي مثل نهاية قصتها خرجتُ من عندها و أنا أُحادثُ نفسي و  أُرددُ بلا وعي:إما عقلي وقوتُه 

و إما قلبي وضعفُه 

فليسَ للحبِ مكان في هذا الزمان 

فلم يَعُد للبشرِ أمان 

إذهب يا قلبي بحُبِك في سلام 

فلم يعد تقديرك إلا أحلام 

في عالم الأوهام

google-playkhamsatmostaqltradent