بقلم: محمد حسن
في زمنٍ أصبحت فيه المناصب أحيانًا جدرانًا تفصل بين الإنسان والإنسان، وبين الكرسي والرحمة، خرج علينا من قلب أسوان مشهدٌ يعيد للأذهان معنى القيادة الحقيقية. مشهدٌ لا يُنسى لرجلٍ خلع عباءة البروتوكول، وارتدى ثوب الأبوة والنبل.
إنه الدكتور لؤي سعد الدين نصرت، رئيس جامعة أسوان، الذي لم يرسل مندوبًا، ولم يخاطب طلابه من خلف المكاتب، بل جاء بنفسه، بخطوات واثقة وضمير حي، إلى كلية التربية، ليقول كلماتٍ ستبقى محفورة في ذاكرة من سمعها:
> "أنا هنا مش كرئيس جامعة... أنا هنا كولي أمر للطالبة دي."
تلك اللحظة لم تكن مجرد موقفٍ إداري، بل كانت تجسيدًا لإنسانيةٍ لا تعرف الرتب، لقيادةٍ تعرف كيف تنصت، وتحتوي، وتُنصف.
---
عبارة من ذهب... تتكرر عبر الزمن
حين كتبت فتاة يتيمة تُدعى فاطمة يومًا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، تطلب منه أن يكون وكيلها في زفافها، لم يتردد في الرد، وقال جملته الشهيرة:
> "أنا أبوكي يا فاطمة."
واليوم، بعد عقود، تتكرر الروح ذاتها، لا من قصر رئاسي، بل من داخل جدران جامعة في أقصى الجنوب، من رجلٍ قرر أن يعيد للقيادة معناها، وللمسؤولية دورها.
كلمات الدكتور لؤي كانت بلسمًا لكل طالبٍ شعر يومًا أن صوته لا يُسمع، وأن قضيته لا تُرى. لقد أيقنوا أن هناك من ينحاز إليهم، لا بالكلام، بل بالفعل والموقف.
---
الضمير لا يموت… والمواقف تصنع التاريخ
من "أنا أبوكي يا فاطمة" إلى "أنا ولي أمرها"... يختلف المكان، وتتبدل الظروف، لكن القيم تبقى، والرجال العظماء لا تغيّرهم المناصب، بل يكبرون بها.
شكرًا دكتور لؤي، لأنك وقفت حين صمت كثيرون، وتحركت حين تجمّد غيرك، وأثبتّ أن الهِبة الحقيقية لا تُصنع باللقب، بل بالموقف النبيل.
---
العدالة قادمة... بخطى صادقة
ورغم أن القصة لم تُحسم بعد رسميًا، وأن بعض الإجراءات ما زالت في طور المراجعة القانونية، إلا أن حضور هذا الرجل بنفسه كان كافيًا ليمنح الطالبة حقها الأدبي، ويزرع في قلوبنا يقينًا أن العدالة حين تجد من يحملها، لا تحتاج إلى ضجيج.
---
في مصر... لا تزال الإنسانية بخير، والضمير لم يمت. وكلما ظننا أن المواقف العظيمة أصبحت من الماضي، جاء من يُعيدها إلينا حيّة، نابضة، بوجه جديد... اسمه لؤي نصرت.