حسين السمنودي
في زمن تتسارع فيه الماديات وتُغيب فيه القيم، أصبحنا نعيش أزمة حقيقية تُسمى "الأخلاقيات المفقودة". هذه الأزمة ليست سطحية أو عابرة، بل هي عميقة تمس جذور المجتمعات الإسلامية، حيث تراجعت فيها القيم التي رسخها الإسلام، وغابت القدوة الصالحة عن أنظار كثير من شباب المسلمين.
لقد جاء الإسلام بمنظومة أخلاقية متكاملة، تربي النفوس وتقوم السلوك، وجعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أُسوة وقدوة حسنة، فقال الله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً" [الأحزاب: 21]. فكان النبي صلى الله عليه وسلم قمةً في التواضع، والصدق، والرحمة، والعفة، والحلم، وكان الصحابة والتابعون يسيرون على خطاه ويجعلونه معياراً للأخلاق والسلوك.
لكن المؤلم أن كثيراً من شبابنا اليوم قد انصرفوا عن هذه القدوة النبوية، وركنوا إلى نماذج أجنبية لا تمثل أخلاقنا ولا ديننا، فصار اللاعب الفلاني، أو المغني الفلاني، أو "اليوتيوبر" الفلاني هو النموذج والقدوة. وتناسى شبابنا أن القدوة الحقيقية هي من تقودك إلى الجنة، لا من تسحبك إلى التفاهة والفراغ.
وغابت الرحمة، وقلّ الحياء، وانتشر الكذب والتطاول، وأصبح احترام الكبير، والصدق في الحديث، والأمانة في العمل، والحياء في السلوك... سلوكيات غريبة في نظر البعض، بعد أن كانت من أساسيات التربية في المجتمع المسلم. ضاعت معاني "ارحموا من في الأرض"، و"ليس منا من لم يوقر كبيرنا"، وغرقت الأسر في خلافات، وضاعت بركة المال، وازدادت نسب الجريمة والطلاق والعقوق... وكل ذلك نتيجة لفقدان القيم وغياب القدوة.
لكن الأمل لا ينقطع. فاستعادة أخلاقيات الإسلام ممكنة، إذا بدأنا بإحياء القدوة في حياتنا، أن يكون الأب قدوة، والمعلم قدوة، والإمام قدوة، وأن تكون أفعالنا أبلغ من أقوالنا. لا بد من تربية تنبع من الموقف، لا من التلقين. نحتاج إلى إعلام نظيف يقدم نماذج تبني لا تُفسد، وإلى مناهج دراسية تعيد الاعتبار لسير الصحابة والأخلاق الإسلامية، وإلى أئمة وعلماء يربّون قبل أن يعظوا. فالشاب إذا رأى الصدق في عيون من حوله، والحياء في أفعال أهله، والرحمة في سلوك معلمه، سيعود لا محالة إلى أخلاق الإسلام.
إننا لا نحتاج إلى مزيد من الوعظ النظري، بل إلى سلوك حيّ يعيد بريق الأخلاق إلى حياتنا. فمتى ما عاد خلق الحياء، والصدق، والرحمة، والعفاف، عاد الخير إلى الأمة، وتحقق وعد الله بالنصر والتمكين لمن تمسك بدينه وخلقه.