حسين السمنودي
في قلب صحراءها الهادئة، وبين جبالها الشامخة وسهولها الرحبة، تنبض سيناء بنداء صامت، لا يسمعه إلا أصحاب القلوب الحية والعقول الواعية؛ نداءٌ يحمل شوقًا عميقًا لكلمة طيبة، ولموعظة صادقة، ولدعوة إلى الله تنير الدرب وتصلح النفوس.
سيناء، الأرض الطاهرة التي خطى عليها أنبياء الله، وعبرت فوقها الرسالات السماوية، تظل إلى اليوم أرضًا تتعطش للدعاة الصادقين، الذين يجمعون بين نور العلم ودفء الحكمة، بين ثبات المنهج ورحابة الصدر، بين ثقة الكلمة ورقة المشاعر، الذين يقتربون من الناس كما كان يفعل الأنبياء، لا يعلون عليهم، بل يجلسون بينهم، يستمعون قبل أن يتكلموا، ويبنون قبل أن يوجهوا.
إنّ أهل سيناء، وهم أصحاب القلب الأصيل، الذين عاشوا صراعات وظروفًا صعبة من التهميش والخوف والتحديات، بحاجة اليوم إلى من يأخذ بأيديهم إلى بر الأمان، يزرع فيهم الأمل، يعيد لهم يقينهم بالله، ويحصن أبناءهم ضد أي فكر دخيل أو منحرف. فالعقول الخاوية، إذا لم تملأها الحكمة، قد يملؤها الضلال، والقلوب الجائعة للحق، إن لم تجد من يرويها بالكلمة الطيبة، قد تضل الطريق نحو الباطل.
وهنا يبرز دور الداعية الحقيقي، الذي يعلم أن الدعوة ليست مجرد خطبة تنتهي بانتهاء الصلاة، بل هي رسالة حياة، تعيش مع الناس في أسواقهم، وبيوتهم، ومناسباتهم، وتلامس مشاكلهم اليومية، وتخفف من جراحهم، وتزرع فيهم حب الله، وحب الوطن، والعمل الصالح.
ومن هنا، فإن سيناء ليست فقط بحاجة إلى دعاة، بل إلى قوافل دعوية مستمرة، تحمل فكرًا وسطيًا معتدلًا، تغرس في عقول الأجيال معاني الولاء والانتماء لوطنهم، وتفكك بأسلوب علمي سهل كل الشبهات التي يستغلها دعاة الفتنة والمتطرفون، ممن يحاولون تشويه صورة الدين واستغلال الدين في أغراض هدامة.
وتبقى وزارة الأوقاف، بجهودها المباركة، مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن تضع سيناء على رأس أولوياتها، ليس فقط بتكثيف الندوات والقوافل، بل بإعداد دعاة مخصصين، يعرفون طبيعة هذا المجتمع، ويجيدون مخاطبة أبنائه بلغة قريبة، محملة بروح المحبة، والفهم العميق، والإخلاص في العمل الدعوي.
إن سيناء، هذه الأرض التي روتها دماء الشهداء، لا تستحق إلا دعاة على قدر هذا النبل، دعاة يحملون لواء الكلمة، يحاربون بها الجهل، والتطرف، واليأس، ويربون أجيالًا تكتب بوعيها مستقبلًا يليق باسم سيناء وتاريخها.
والحق أن الدعوة في سيناء ليست مهمة رجال الدين وحدهم، بل هي مسؤولية وطنية متكاملة، يجب أن تتضافر فيها جهود الدولة والمجتمع مع الدعاة، ليكون لكل كلمة طيبة أثرٌ في صدّ الفتن، ولكل لقاء دعوي دورٌ في بناء شخصية متوازنة واعية، قادرة على التمييز بين الحق والباطل، بين الغث والسمين، بين من يدعو لخير الدنيا والآخرة، ومن يجرّ الناس إلى الخراب باسم الدين.
وسيناء، كما حفظها الله عبر العصور، لا تزال تنتظر من الدعاة الأوفياء أن يحملوا مشاعل النور، وينيروا ظلمة الجهل، ويرسخوا في قلوب أهلها، خاصة الشباب، أن الإسلام جاء ليبني لا ليهدم، ليجمع لا ليفرق، ليزرع الخير لا ليحصد الشر.
فليكن الداعية هناك هو الحارس الأمين لعقول أبنائها، كما كان الجندي حارسًا لأرضها، وليكمل الجميع تلك السلسلة التي تصنع مجد الأوطان وتديم أمنها واستقرارها.