recent
أخبار ساخنة

الأئمة والدعاة : الجيش العلمي والمعرفي الذي يحمي الدين والوطن /شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS
الأئمة والدعاة : الجيش العلمي والمعرفي الذي يحمي الدين والوطن

حسين السمنودي

حين يذكر الناس كلمة "جيش"، سرعان ما تذهب الأذهان إلى الجنود الذين يحملون السلاح، يقفون على الحدود، يحرسون الأرض والعرض، يواجهون الأعداء في ميادين القتال، ويضحون بأرواحهم من أجل أن ينعم الوطن بالأمن والاستقرار. هذه صورة لا جدال في عظمتها ومكانتها، لكنها ليست الصورة الوحيدة التي تُجسد معنى "الجيش"، فهناك جيش آخر يقف في صمت لا يقل شجاعة ولا إخلاصًا، جيش لا تحمله المركبات، ولا تسنده المدرعات، لكنه يحمل بين جنباته ما هو أثمن من السلاح: يحمل العلم والفكر، ويزرع في النفوس الطمأنينة، ويقود المجتمعات بحكمة الكلمة ونور الهداية. إنه جيش الأئمة والدعاة، الذين اصطفاهم الله ليكونوا حماة للدين وركيزة أساسية من ركائز الحفاظ على الوطن.

هذا الجيش المعرفي لا يقف خلف المتاريس ولا في مواقع الدفاع العسكرية، بل يتقدم الصفوف في المساجد، وفي الندوات، وفي ساحات الفكر والتوجيه، يبني العقول قبل أن تُبنى الأسوار، ويصون القلوب من الانحراف قبل أن تُحاصر الأوطان بالمخاطر. فهم جنود يعملون على جبهة الوعي، ينشرون نور العلم، ويكافحون ظلام الجهل، يحاربون الأفكار المتطرفة التي تهدد استقرار المجتمع، ويقفون بالمرصاد أمام كل دعوة باطلة تسعى لزعزعة ثقة الناس في دينهم أو في وطنهم.

إن الأئمة والدعاة يمثلون خط الدفاع الأول في معركة الوعي، فالمجتمعات التي تعيش بلا علم راسخ أو وعي سليم تكون أكثر عرضة للسقوط مهما امتلكت من سلاح وعدة، أما المجتمعات التي تحصنت بالعلم، وتمسكت بقيم الدين، وامتلكت الوعي الكامل بحقوقها وواجباتها، فإنها قادرة على مواجهة كل الأزمات، وقهر كل الصعاب. ومن هنا تتجلى عظمة الدور الذي يؤديه الأئمة والدعاة في كل زمان ومكان.

في أوقات السلم، يكون دورهم تثبيت المبادئ وغرس الفضائل، يصعد الإمام على المنبر ليعلم الناس كيف يعيشون حياة متزنة تجمع بين حب الدين والانتماء للوطن، يعلمهم أن العبادة لا تكتمل إلا بالعمل الصالح، وأن حب الوطن من صميم الإيمان، وأن الاستقامة على طريق الله ليست مجرد شعائر، بل سلوك متكامل في البيت والشارع والعمل. ومن خلال هذه الكلمة الطيبة، يساهم الإمام في صناعة جيل يحترم القيم، ويدافع عن دينه ووطنه بالفكر والسلوك، قبل أن يلجأ إلى القوة والسلاح.

أما في أوقات الأزمات، فتتضاعف المسؤولية، ويصبح الإمام والداعية الطبيب النفسي الذي يضمد جراح العقول، ويواسي القلوب المكلومة، ويوجه الناس إلى التحلي بالصبر، والرضا، والثقة في رحمة الله وعدله. فمن خلال منبره أو درسه، يكون هو المُحفز على الأمل، والموجه نحو العمل الجماعي والتكاتف، فلا يسمح لليأس أن يتسلل إلى النفوس، ولا يترك الشائعات تفتك بأمن الوطن واستقراره، ولا يرضى أن تهتز عقيدة إنسان أمام قسوة الأحداث، بل يكون هو السند الثابت، وصوت الحكمة في أوقات الضباب.

ويكفي أن نتأمل كيف يتعامل أعداء الأوطان مع هذا الجيش العلمي؛ فنجد أن الحرب النفسية والمعلوماتية دائمًا ما تبدأ بمحاولة إسكات صوت العلماء والدعاة، وتشويه صورتهم، وإفساد ثقة الناس فيهم، لأن الأعداء يدركون جيدًا أن الكلمة الطيبة، والتوجيه السليم، والعلم النقي، أقوى من أي سلاح. فعندما يسقط الفكر تسقط الأوطان، وعندما يتوه الناس عن طريق الهداية، يصبح المجتمع هشًا أمام أي عدو متربص، لذلك يكون استهداف هذا الجيش المعرفي أولوية كُبرى في مخططات الأعداء، لكن الأئمة والدعاة يظلون صامدين، يؤدون رسالتهم بعزم وثبات، لا يضعفون أمام التحديات، ولا يلتفتون لمحاولات التشويه والتشويش، فهم يعلمون أن رسالتهم سماوية، ومسؤوليتهم أمانة عظيمة لا تقبل التهاون.

من المهم أن ندرك أن وظيفة الإمام ليست مجرد وظيفة وظيفية يؤديها في وقت محدد ثم ينصرف، بل هي رسالة حياة، تبدأ منذ أن يضع قدمه على طريق العلم، وتستمر ما دامت فيه روحٌ تنبض، فهو مربي أجيال، وبناء شخصيات، وصانع وعي، ومرشد روحي، ومعلم أخلاقي، كل هذه الأدوار يؤديها من خلال الكلمة الصادقة والنصيحة المخلصة، التي تهذب النفوس، وتصلح المجتمع، وترفع من شأن الوطن بين الأمم.

وليس غريبًا أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصف العلماء بأنهم "ورثة الأنبياء"، فهم يواصلون المهمة النبوية في دعوة الناس للحق، وتعليمهم الخير، وتثبيتهم على طريق الصواب. وإذا كانت الجيوش العسكرية تحمي حدود الدولة، فإن الأئمة والعلماء هم الذين يحفظون هوية المجتمع من التزييف، ويمنعون سقوطه تحت وطأة الشبهات والأفكار الهدامة.

ومهما تطورت أساليب الحروب، وتبدلت وجوه الأعداء، ستبقى الكلمة الطيبة والسعي في تعليم الناس، هما أقوى سلاح يمكن أن تمتلكه أي أمة، لأن المعركة الحقيقية اليوم لم تعد فقط معركة بنادق ومدافع، بل أصبحت معركة وعي وعقول، ولعلنا نرى كيف تسقط دول بأكملها تحت تأثير الشائعات والتضليل الإعلامي، وتنتصر أخرى بفضل تماسك شعوبها وثقتها بقيادتها ومؤسساتها، وهنا يظهر بوضوح دور الأئمة والدعاة، الذين يعملون على تحصين العقول وتوعية الأجيال، ليكون المجتمع أكثر منعة وصلابة.

وفي النهاية، يحق لنا أن نقف احترامًا لهذا الجيش النبيل، الذي يخوض معارك فكرية يومية لا تهدأ، ويقدم تضحيات صامتة من أجل أن يبقى الدين محفوظًا والوطن آمنًا، ويصنع بأخلاقه وكلماته، مستقبلًا أكثر استقرارًا وعدلًا ورحمة. فتحية تقدير وإجلال لكل إمام وداعية، يحمل الأمانة في قلبه، ويحرس الدين والوطن بفكره ولسانه، ليظل المجتمع بخير، وتبقى الأوطان شامخة.
google-playkhamsatmostaqltradent