recent
أخبار ساخنة

العاشر من رمضان.. يوم تحطيم الأسطورة الصهيونية واستعادة الكرامة العربية/شيفاتايمز

العاشر من رمضان.. يوم تحطيم الأسطورة الصهيونية واستعادة الكرامة العربية

حسين السمنودي 

في تاريخ الأمم لحظات لا تنسى، ومواقف تُكتب بماء الذهب، تظل خالدة في ذاكرة الشعوب جيلاً بعد جيل. من بين تلك اللحظات العظيمة، يبرز يوم العاشر من رمضان عام 1393 هـ، الموافق السادس من أكتوبر 1973، كأعظم انتصار حققه العرب والمسلمون في العصر الحديث على قوى الصهيونية العالمية. في هذا اليوم المجيد، أثبت الجيش المصري أنه لا يعرف المستحيل، وأن الإرادة القوية والعزيمة الصلبة قادرة على هدم أعتى الحصون وتحطيم أوهام العدو. لم يكن مجرد انتصار عسكري عابر، بل كان ملحمة وطنية جسّدت روح التحدي، وتلاحم القيادة والشعب مع القوات المسلحة في صورةٍ لم يشهد لها التاريخ مثيلًا، لتتحول الهزيمة التي فرضتها نكسة 1967 إلى نصرٍ مؤزر أعاد للعرب كرامتهم، وأثبت أن الحقوق لا تُسترد إلا بالقوة.

لسنواتٍ طويلة، عملت إسرائيل على الترويج لجيشها باعتباره قوة لا تُقهر، واعتقدت أنها بتفوقها العسكري تستطيع فرض سيطرتها إلى الأبد، لكن العاشر من رمضان كان اليوم الذي حطم هذه الخرافة. لم يكن الأمر مجرد معركة، بل كان صراعًا بين الحق والباطل، بين من يدافع عن أرضه وعرضه، وبين محتل غاصب اعتقد أن القوة وحدها تكفي لضمان البقاء. على الجانب المصري، لم يكن الإعداد للحرب مجرد تجهيزاتٍ عسكرية، بل كان إعادة بناءٍ كاملة للدولة، إذ بدأت مصر، بقيادة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، في التخطيط للحرب بعقليةٍ علمية مدروسة، تستفيد من أخطاء الماضي وتستغل نقاط ضعف العدو. كان القرار صعبًا، خاصةً في ظل الدعم اللامحدود الذي تتلقاه إسرائيل من القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلا أن القيادة المصرية أدركت أن التراخي يعني استمرار الاحتلال، وأن الحرب، رغم تكلفتها الباهظة، هي السبيل الوحيد لاستعادة الأرض والكرامة.

في الساعة الثانية ظهرًا، بدأت ملحمة العبور، حيث انطلقت نيران المدفعية المصرية لتُمطر تحصينات العدو بوابلٍ من القذائف، مُحطمةً دفاعاته النفسية قبل العسكرية، وفي لحظات، انقض نسور الجو المصريون في واحدة من أعظم الطلعات الجوية في التاريخ، حيث نفذوا ضرباتٍ دقيقة أربكت العدو ودمّرت مواقعه الحيوية. بالتزامن، كانت موجات من الجنود المصريين تعبر قناة السويس في مشهدٍ أذهل العالم، بعد أن تحدوا المستحيل وحطموا خط بارليف، الحصن الذي قيل إنه غير قابل للاختراق. خلال ساعات، كانت الأعلام المصرية ترفرف على الضفة الشرقية للقناة، وكانت القوات تتوغل في عمق سيناء، مُعلنةً أن الغطرسة الإسرائيلية قد انتهت إلى غير رجعة.

لم يكن هذا النصر مجرد انتصار عسكري، بل كان لحظة تحول تاريخي أعادت رسم الخريطة السياسية للمنطقة. لقد فرضت مصر والعرب إرادتهم، وأجبروا القوى الكبرى على الاعتراف بأن إسرائيل لم تعد القوة التي يمكنها فرض شروطها دون رد. كما كان النصر انعكاسًا لروح التكاتف العربي، حيث شاركت الدول العربية في المعركة، سواء بالدعم العسكري أو الاقتصادي، فقدمت الدول الخليجية دعمًا نفطيًا هائلًا، وساهمت القوات العربية في القتال على الجبهة السورية. كان العاشر من رمضان هو اللحظة التي أدرك فيها العالم أن العرب قادرون على استعادة حقوقهم إذا توحدوا، وأن النصر ليس مستحيلًا إذا توفرت الإرادة.

هذا النصر العظيم لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة تخطيطٍ محكم، واستعدادٍ دقيق، وإيمانٍ عميق بعدالة القضية. لقد ضرب الجنود المصريون أروع الأمثلة في التضحية والفداء، فلم يكن أحدهم يخشى الموت، بل كانوا يتسابقون إلى الشهادة وهم يرددون التكبيرات، مستلهمين روح رمضان وعزيمة الأجداد الذين خاضوا معارك الإسلام الكبرى في الشهر الفضيل. كان هذا التلاحم بين الجيش والشعب في أعلى مستوياته، فقد تسابق المصريون لدعم المجهود الحربي بكل ما يملكون، ووقفت القيادة السياسية تدير المعركة بحكمة ودهاء، لتثبت أن مصر قادرة على مواجهة التحديات، مهما كانت الصعوبات.

إن العاشر من رمضان لم يكن مجرد يومٍ في التقويم، بل كان درسًا للعالم أجمع في معاني الصمود والإصرار. لقد أثبت المصريون أن الأمة التي تتمسك بحقوقها وتؤمن بعدالة قضيتها لا يمكن أن تُهزم. هذا الانتصار العظيم لم يكن مجرد استعادة للأرض، بل كان استعادةً للثقة والكرامة، ورسالة واضحة بأن الاحتلال لا يدوم، وأن الشعوب الحية قادرة على فرض إرادتها مهما كانت العقبات. واليوم، ونحن نستعيد ذكرى هذا اليوم الخالد، علينا أن نستلهم منه العبر، وأن ندرك أن التحديات لا تُواجه إلا بالعزيمة، وأن الأوطان لا تُحمى إلا بالقوة والإرادة. إن العاشر من رمضان سيظل رمزًا للبطولة والفداء، وسيظل شاهدًا على أن مصر، بتاريخها العريق وجيشها العظيم، قادرة دائمًا على تحقيق المعجزات.
google-playkhamsatmostaqltradent