"اليهود من تيه سيناء إلى مجازر فلسطين: تاريخ من الضياع والطغيان"
حسين السمنودي
عندما تاه اليهود في صحراء سيناء لأربعين عامًا، لم يكن ذلك مجرد عقاب جسدي أو ضياع جغرافي، بل كان تيهًا فكريًا وروحيًا يرمز إلى فشل أمة في تحقيق ذاتها رغم ما مُنح لها من فرص. هذا التيه لم ينتهِ بخروجهم من الصحراء، بل ظل متجذرًا في سلوكهم وأفكارهم، ممتدًا عبر القرون، ليظهر في كل مرحلة تاريخية بصور مختلفة من الطغيان والفساد والدماء.
في أوروبا، وعلى مدار قرون، شكَّل اليهود عنصر اضطراب اقتصادي واجتماعي، حيث سيطروا على الأنشطة المالية والتجارية، وعُرفوا بالربا والاحتكار واستغلال الأزمات الاقتصادية لبناء ثرواتهم. هذه الممارسات لم تمر دون رد فعل، فكان الاضطهاد والمذابح والطرد من عدة دول أوروبية، وصولًا إلى المحرقة النازية في ألمانيا. لكن رغم هذه الأحداث الدامية، لم يتوقف اليهود عن ممارسة الدور نفسه في كل مجتمع يحطّون فيه.
وفي روسيا، لعب اليهود دورًا محوريًا في تأجيج الصراعات والثورات، وكانوا أداة فاعلة في نشر الفوضى والانقسامات. ظلت هذه الممارسات تتكرر في كل مرحلة، وكأنها جزء أصيل من عقيدة جماعية قائمة على الانتهازية واستغلال الآخرين لتحقيق أهدافهم.
بعد الحرب العالمية الثانية، اختارت القوى الاستعمارية أن تحل "المشكلة اليهودية" على حساب شعب أعزل، فكانت فلسطين هي الهدف. تأسست "إسرائيل" بقرار ظالم ودعم دولي مشبوه، ومنذ تلك اللحظة بدأ فصل جديد من المجازر والمآسي الإنسانية. من "دير ياسين" إلى "صبرا وشاتيلا" إلى ما يحدث اليوم في غزة والضفة الغربية، لا تزال آلة القتل الإسرائيلية تحصد أرواح الأبرياء، في جرائم ترتكب تحت غطاء دولي وتواطؤ عالمي مخزٍ.
ورغم كل ما حققوه من قوة عسكرية وسياسية، لا يزال اليهود في تيههم الأبدي. إنهم محاصرون بالخوف من زوال دولتهم، وقلق دائم من انتفاضة الشعوب الحرة. ورغم الدعاية الضخمة التي يسوقونها لأنفسهم كضحايا دائمين، إلا أن التاريخ يثبت أنهم كانوا جلادين أكثر من كونهم ضحايا.
إن تيه اليهود لم ينتهِ بخروجهم من سيناء، ولم ينتهِ باستقرارهم في فلسطين، بل هو تيه مستمر في المبادئ والأخلاق والإنسانية. لن تنتهي هذه الدائرة الدموية إلا بزوال هذا الكيان المغتصب وعودة الأرض لأصحابها الحقيقيين. فالأوطان لا تُمحى، والحق لا يموت بالتقادم، وسيأتي يوم تعود فيه فلسطين حرة عربية، مهما طال الزمن أو كثرت التضحيات.