قرار إقالة حسني راشد: غياب المعايير واغتيال الكفاءات
حسين السمنودي
في خطوة أثارت الجدل وأحدثت حالة من الغضب بين أبناء محافظة الإسماعيلية، جاء قرار إقالة الأستاذ حسني راشد من منصب رئيس مركز ومدينة أبو صوير بعد فترة وجيزة من تعيينه. القرار الذي يبدو للوهلة الأولى إدارياً بحتاً، فتح الباب على مصراعيه لطرح العديد من التساؤلات حول المعايير التي تُدار بها الأمور في المحافظة، وحول مدى التقدير الذي تحظى به الكفاءات النشطة والجادة في خدمة المجتمع.
هل الكفاءة أصبحت جريمة؟
لا أحد ينكر النشاط الملحوظ لحسني راشد منذ توليه المنصب؛ كان الرجل نموذجًا للمسؤول الميداني الذي يُفضل العمل في الشارع بين الناس بدلاً من الجلوس خلف المكاتب. هذه السمة التي جعلته قريباً من المواطنين ومشاكلهم، وأكسبته احترام الجميع، تحولت فجأة إلى نقطة ضعف. فبدلاً من أن يُكافأ على نشاطه، جاء قرار الإقالة كصفعة على وجه الكفاءة والإخلاص.
إذا كان معيار النجاح يتمثل في العمل المكتبي والابتعاد عن المشكلات الحقيقية للمواطنين، فإن هذا القرار يعكس تغيراً مقلقاً في مفهوم القيادة، حيث بات المسؤول الناجح يُنظر إليه كتهديد للنظام الإداري بدلاً من كونه إضافة إيجابية.
وشايات المصالح أم سياسة الكراسي الموسيقية؟
تُثار العديد من الأقاويل حول كواليس هذا القرار، فهل جاءت الإقالة نتيجة وشاية من بعض أصحاب المصالح الشخصية الذين اعتادوا تحقيق مكاسبهم على حساب المصلحة العامة؟ أم أن الأمر لا يتعدى كونه امتداداً لسياسة الكراسي الموسيقية التي تُدار بها بعض القطاعات الحكومية؟
الواقع يُظهر أن هناك من يجد في المسؤول الجاد خطراً على مصالحه، خصوصاً إذا كان لا يتهاون في تطبيق القانون ولا يتواطأ مع الفاسدين. فهل تحولت المعايير المهنية إلى سلاح بيد الفاشلين لتصفية الحسابات مع الناجحين؟
رسائل سلبية للكفاءات
إن استمرار هذا النهج يُرسل رسائل سلبية لكل مسؤول طموح وجاد. فبدلاً من تشجيع الكفاءات، نجد أن النظام الإداري يتخذ خطوات معاكسة تماماً. القرارات غير المبررة تُثبط العزائم، وتجعل الكفاءات تُفكر مرتين قبل أن تبذل جهداً إضافياً.
كيف يُمكن للدولة أن تحقق أهدافها التنموية في ظل غياب معايير واضحة للمحاسبة والمكافأة؟ إذا كان مصير الناجحين الإقصاء، فما الذي يُنتظر من المتخاذلين؟
مطالبة بتوضيح رسمي
إن إدارة الدولة ليست لعبة كراسي موسيقية يُستخدم فيها المسؤول كأداة يُلقى بها عند أول فرصة. إن مثل هذه القرارات تحتاج إلى توضيح رسمي يُبين الأسباب الحقيقية وراء الإقالة، ويُجيب على التساؤلات التي طرحها أبناء أبو صوير والإسماعيلية عموماً.
أين الشفافية؟
الشفافية ليست خياراً بل ضرورة في كل ما يتعلق بإدارة الدولة. المواطنون بحاجة إلى معرفة الأسباب الحقيقية وراء إقالة المسؤولين، خاصة إذا كان الشخص المُقال يحظى بتقدير شعبي واسع.
رسالة إلى المسؤولين
إذا كنتم ترغبون في بناء دولة قوية، فعليكم أن تتبنوا الكفاءات وتدعموها، بدلاً من إضعافها أو التخلص منها. نجاح المسؤول في منصبه لا يجب أن يكون جريمة يُعاقب عليها، بل إنجازاً يُكافأ عليه.
في النهاية، تبقى التساؤلات مفتوحة، والكرة في ملعب المسؤولين لتوضيح حقيقة ما حدث. إلى حين ذلك، سيظل قرار إقالة حسني راشد رمزاً لإدارة غابت عنها الرؤية الواضحة، وأصبحت فيها الكفاءة عُرضة للاغتيال.