زمن المفارقات الأخلاقية
حسين السمنودي
في عصرنا الحالي، تبدو الأخلاق التي كانت تشكّل صلب مجتمعاتنا وكأنها تنسحب تدريجيًا من حياتنا اليومية، لتحل محلها مفارقات مؤلمة تجعلنا نتساءل: كيف وصلنا إلى هذا الحال؟
الخيانة العاطفية: بين المبررات الواهية وغياب الالتزام
في قلب الأسرة، حيث يفترض أن يكون الحب والوفاء هما الأساس، نجد رجالًا ونساءً يبررون الخيانة العاطفية بحجة غياب الرومانسية أو نقص الاهتمام. لكن، هل تُبرَّر الخيانة بأي حال؟ أين ذهب عهد "الميثاق الغليظ" الذي يجمع بين الزوجين؟
**انحدار الحياء في أوساط الشباب.
ما يدعو إلى الحزن أكثر هو ما نراه من تصرفات الفتيات والشباب على حد سواء، حيث يتم تبادل صور ومقاطع لا يليق بالحياء ولا بالقيم. ألم يكن الحياء يومًا "شعبة من الإيمان"؟
تربية الأبناء: القيم في مهب الريح
مع انشغال الآباء والأمهات بتوفير الكماليات للأبناء، تُركت الأخلاق والقيم في الخلفية. النتيجة؟ جيل يفتقد أسس الأخلاق التي كانت عماد تربية الأجيال السابقة.
**التقصير في العمل: بين الظروف والضمير
تراجع الإخلاص في العمل أصبح مشهدًا مألوفًا. يُلقي الموظفون اللوم على ضعف الرواتب، متناسين أن البركة في العمل تأتي من الإخلاص والرزق الحلال، لا من الكسب المادي وحده.
**ازدواجية في العبادة والسلوك
نجد شبابًا يقضون ساعات في اللهو والتسوق، لكنهم يشكون من مشقة أداء ركعة في الصلاة. كيف وصلنا إلى هذه الازدواجية؟ أليس الإيمان مقياسًا لخشوع القلب قبل الجوارح؟
**البخل في الصدقة والإسراف في الشهوات
مشهد مؤلم آخر يتكرر؛ عندما نفتح جيوبنا بسخاء للشهوات والملذات، بينما نبحث عن أقل القليل لإلقائه في صندوق الصدقة. هل نسينا أن الصدقة تزيد البركة وتضاعف الأجر؟
**الغياب التام للغيرة على الحرمات
في زمننا هذا، لم تعد الغيرة على الحرمات فضيلة، بل أصبحت تُفسَّر بأنها تخلف أو تزمت. رجال يقفون مكتوفي الأيدي أمام مظاهر التبرج في بيوتهم، متذرعين بمفاهيم "التحضر" و"التفاهم".
**تزييف المفاهيم الأخلاقية
الرشوة صارت "إكرامية"، التبرج "أناقة"، والاختلاط "حرية". هذا التزييف اللغوي يُغطي على واقع أخلاقي مؤلم، ويخلق مجتمعًا يعيد تعريف الخطأ ليصبح مقبولًا.
**نهاية مفتوحة للأسئلة
في ظل هذه المفارقات الأخلاقية، يبقى السؤال الأهم: هل يمكننا العودة إلى المبادئ الأصيلة التي جمّلت حياتنا سابقًا؟ العودة ليست مستحيلة، لكنها تتطلب إرادة صادقة، ووعيًا جماعيًا بأهمية القيم التي تهذب النفوس وتبني المجتمعات.
اللهم اجعلنا من القليل الذين قال عنهم: "وقليل من عبادي الشكور"، وارزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأعدنا إليك ردًا جميلًا قبل أن نفارق هذه الدنيا.
