recent
أخبار ساخنة

سوريا.. قصة وطن نُزِف حتى آخر قطرة







 سوريا.. قصة وطن نُزِف حتى آخر قطرة


حسين السمنودي


كانت سوريا يومًا قلب العالم العربي النابض بالحياة، ملتقى الحضارات، وحاضنة التاريخ. شعبها الذي صاغ الحضارة بمدادٍ من الإبداع والعمل، وطبيعتها التي زينتها الجبال والأنهار، كانت مثالًا لوطنٍ يفيض عطاءً. لكنها تحولت إلى مسرحٍ لأحد أعظم المآسي الإنسانية في العصر الحديث، حيث تساقطت الأقنعة وانكشف العالم عن وجهه القاسي.


** البداية.. حين تفتحت أبواب الجحيم


اندلعت الشرارة الأولى عام 2011 مع موجة ما سُمي بـ"الربيع العربي". كان السوريون كغيرهم يحلمون بالحرية والكرامة، لكنها سرعان ما تحولت إلى لعنة. احتجاجات سلمية قوبلت بالقمع، ومع مرور الأيام، انقسم الوطن إلى جبهات، كلٌ يدّعي تمثيل الشعب، بينما الحقيقة كانت أكثر سوداوية: سوريا أصبحت ملعبًا للصراعات الدولية والإقليمية.


** دمار المدن وموت الحضارة


من حلب، إلى حمص، ثم درعا والغوطة الشرقية، أصبحت المدن السورية مقابر جماعية. شوارع كانت تضج بالحياة، تحولت إلى أنقاض. مدارس ومشافي استُهدفت بلا رحمة، وأطفالٌ قضوا تحت الركام. مشاهد الأمهات يبكين جثامين أطفالهن أصبحت أيقونات للحزن.


حلب، التي كانت درة الحضارة الإسلامية، أصبحت رمادًا. الأسواق العتيقة التي شهدت على مئات السنين من التجارة والفن انهارت. حتى الحجر في سوريا لم يسلم، فكيف بالإنسان؟


** الحصار.. الموت جوعًا وبردًا.


لم تكن الحرب وحدها كافية، فجاء الحصار ليكمل ما بدأته الأسلحة. مدنٌ بأكملها عاشت على شفير الموت، بلا طعام ولا دواء. صور الأطفال الهياكل العظمية في مضايا والغوطة ستظل شاهدة على انعدام الإنسانية.


**اللجوء.. الشتات السوري


هرب ملايين السوريين من جحيم الحرب، فقط ليواجهوا جحيمًا آخر في مخيمات اللاجئين. في لبنان، تركيا، الأردن، وأوروبا، يعيش السوريون كلاجئين، يبحثون عن الأمان، بينما تُغلَق في وجوههم الأبواب. آلاف غرقوا في البحر وهم يحلمون بعبورٍ إلى حياة أفضل، وآلاف آخرون تقطعت بهم السبل بين حدود لا تعرف الرحمة.


**النظام الدولي.. شريك في الجريمة,


لم يكن الصراع سوريًا خالصًا. تهافتت القوى الدولية والإقليمية على اقتسام الكعكة. الولايات المتحدة وروسيا، إيران وتركيا، إسرائيل ودول الخليج، كلهم كانوا هناك. في الظاهر يدّعون السعي لحل الأزمة، وفي الباطن يغذون النار ليحقق كل طرف مكاسبه على حساب دماء السوريين.


**الإرهاب.. وجهٌ آخر للمأساة


وسط الفوضى، ظهر الإرهاب كوحشٍ جديد. تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة استغلوا الفوضى ليبنوا إماراتهم الوهمية على دماء الأبرياء. آلاف السوريين ذُبحوا وشُردوا باسم الدين، بينما كان العالم يشاهد بلا حراك.


**الاقتصاد المنهار.. وطن بلا موارد


الحرب دمرت البنية التحتية، والحصار أجهز على الاقتصاد. سوريا التي كانت تعتمد على زراعتها وصناعتها أصبحت تستورد الهواء. البطالة وصلت إلى مستويات كارثية، والأسعار تجاوزت قدرة المواطن العادي.


**اليوم.. وطنٌ منهك


بعد أكثر من عقد من الحرب، سوريا اليوم وطنٌ منهك. ملايين الأرواح أُزهقت، وملايين أخرى تُصارع البقاء. الجيش السوري، الذي كان فخرًا للأمة، أصبح عاجزًا عن حماية حدوده. الشعب السوري، الذي كان نموذجًا للصمود، يعيش اليوم كهيكلٍ بلا روح.


**ماذا بقي؟


بقيت سوريا، رغم كل شيء، جرحًا نازفًا في قلب العالم. كل دمعة ذُرفت فيها هي وصمة على جبين الإنسانية. كل طفل مات جوعًا أو قصفًا هو شهادة على خذلان العالم.


لكن بقي أيضًا أملٌ صغير. الأمل بأن هذه الأرض التي شهدت قيام الحضارات يمكن أن تنهض من جديد. الأمل بأن الشعب الذي صمد أمام الطغيان والغزاة سيعود يومًا ليبني وطنه، حتى وإن بدا هذا الحلم بعيدًا.


**صرخة في وجه العالم


أيها العالم، انظر إلى سوريا! انظر إلى ما فعلته يدك العابثة بمصائر الشعوب. انظر إلى وطنٍ كان يومًا رمزًا للحياة، وأصبح رمزًا للموت. لا نطلب منك البكاء على سوريا، بل نطلب منك أن تتوقف عن تدمير ما بقي منها.


سوريا ليست مجرد وطن.. إنها قصة إنسانية، وقصة ضمير عالمي مات بين أنقاضها.

google-playkhamsatmostaqltradent