recent
أخبار ساخنة

أنت عند الله غالٍ /شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS








 أنت عند الله غالٍ


حسين السمنودي 


"أنت عند الله غالٍ"، كلمة محمدية تنبض بالحياة، تملأ القلب طمأنينة، وتبعث في النفس يقينًا بأن الإنسان قيمة عليا عند خالقه. إنها ليست مجرد عبارة، بل منهاج يضيء الطريق أمام البشرية، يزرع فينا الوعي بأهمية وجودنا ويضعنا أمام مسؤولياتنا في هذه الحياة. هذه الكلمة التي نطق بها رسول الله ﷺ ليست إلا مرآة تعكس مدى رحمة الله وحكمته في خلق الإنسان، ومدى ارتباطه الوثيق بربه الذي لا يتركه أبدًا، بل يرافقه في كل خطوة ويعينه على كل ابتلاء.


حين قال النبي ﷺ لزاهر بن حرام، ذلك الرجل البسيط من البادية، "أنت عند الله غالٍ"، فإنه لم يُرِد فقط أن يرفع معنوياته أو يخفف عنه، بل أراد أن يرسخ في وجدان الأمة كلها حقيقة كبرى: أن الإنسان مهما بدا ضعيفًا أو مهملًا في أعين الناس، فهو عزيز عند الله، له مكانة وقيمة لا يُدركها أحد. هذه العبارة تذكرنا بأن نظرتنا لأنفسنا يجب أن تُبنى على هذا الفهم الإلهي، وليس على ما يقوله الناس أو يحكم به المجتمع.


"أنت عند الله غالٍ" تدفعنا إلى الانطلاق في الحياة بوعي وإيمان، لنفهم دورنا الحقيقي وغايتنا الكبرى. هذا الدور لا يقتصر على مجرد السعي وراء الرزق أو تحقيق النجاحات المادية، بل يتعداه إلى تحقيق الغاية الأسمى من وجودنا: عبادة الله وتزكية أنفسنا، حتى نصبح أدوات بناء في هذا الكون. عندما يدرك الإنسان مكانته عند الله، يتحرر من قيود القلق والخوف، وينطلق بقلب مطمئن نحو تحقيق الخير لنفسه ولمن حوله.


إن هذه الكلمة تدعونا إلى الشكر المستمر والاعتزاز بنعمة الله علينا، فلا يغرقنا الحزن عند المحن، ولا يثنينا الفشل عن المحاولة. تذكرنا أن العبودية لله ليست قيدًا، بل هي حرية كبرى، نتحرر بها من أسر الطمع، ومن سجن الكبر والجحود. ومن هذا المنطلق، فإن من عرف قدره عند الله، عرف قدر الحياة، وأدرك أنها ليست سوى رحلة قصيرة لتحقيق الخير والإصلاح قبل لقاء الله.


"أنت عند الله غالٍ" تُخرجنا من ضيق النفس إلى رحابة الإيمان، من قسوة الحياة إلى دفء الثقة برب العالمين. تدعونا إلى التمسك بحبل الله المتين، إلى قراءة كتابه العظيم بقلوب واعية وأرواح متأملة، وإلى تعظيم شعائره بكل حب ويقين. تدفعنا لأن نكون دعاة لهذا النور في حياتنا اليومية، ننشر هذا الوعي بين الناس، ونبني من خلاله أجيالًا تعرف قدرها، وتسير على بصيرة، وتدرك أن كرامة الإنسان لا تنبع من أمواله أو منصبه، بل من قيمته عند الله.


حين تدرك أنك غالٍ عند الله، لن تخشى لحظات الضيق أو الانكسار. ستعلم أن وراءها حكمة ورحمة، وأن الله الذي خلقك لن يتركك، بل سيعينك على كل صعوبة. ستجد نفسك تتحرر من أسر اليأس، وتنطلق في الحياة بروح جديدة، ترى في كل تحدٍّ فرصة للنمو، وفي كل نعمة سببًا للشكر، وفي كل موقف وسيلة للتقرب من الله.


هذه الكلمة النبوية تلخص قضية الإنسان في الوجود، تبصره بحقيقة رسالته، وتجعله يدرك أن الله خلقه لغاية عظيمة. "أنت عند الله غالٍ" ليست مجرد شعار، بل هي قاعدة بناء الإنسان، تجعل منه مصدرًا للنور والرحمة، يزدهر به العمران، وتتحقق به العبودية الحقة، ويعم الخير في الدنيا كلها.


"أنت عند الله غالٍ" دعوة للإنسانية لتستفيق، لتعرف قدرها الحقيقي، ولتفهم أن قيمتها ليست في المظاهر الزائلة، بل في تلك العلاقة العميقة مع خالقها. إنها دعوة لكل فرد ليعيش حياته متصلًا بالله، ممتلئًا بالثقة واليقين، متحررًا من ظلمات الطبع والهوى، ومتوجهًا نحو نور الله الذي لا يخبو.


فلا تتوقف عند لحظات الألم، ولا عند أحداث تعصف بك، بل امضِ قُدمًا وأنت تعلم أنك غالٍ عند الله، وأن حياتك لها قيمة وغاية أعظم من كل ما تراه عيناك. عش هذه الحياة وأنت تتذكر دائمًا أنك عبد لرب كريم، وأنه يحبك ويرعاك ويهديك، وأن كل ما في الدنيا هو وسيلة لتزكية نفسك، واستنارة روحك، واستيعابك للحياة بكل أبعادها.


"أنت عند الله غالٍ" ليست مجرد كلمات، بل هي حياة كاملة، نور يُبدد ظلمات اليأس، وبصيرة تُضيء الطريق، ووعي يجعلنا نفهم الحياة ونعيد ترتيب أولوياتنا. فلتكن هذه العبارة شعارًا لنا جميعًا، نحمله في قلوبنا، وننشره بين الناس، ونصنع به أجيالًا تعيش بإيمان وثقة، تعرف حقًا من هي، ولماذا خُلقت، وأين تتجه.

google-playkhamsatmostaqltradent