العرب بين العجز والتبعية: أزمة الهوية والقرار المستقل
حسين السمنودي
شهدت الدول العربية على مدى عقود طويلة سلسلة من التحديات الداخلية والخارجية التي جعلتها تواجه حالة من العجز المتكرر والتبعية لجهات أجنبية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي. هذه الظاهرة لم تنشأ فجأة، بل هي نتيجة تراكب عوامل عديدة، منها التدخلات الخارجية، ضعف الإرادة الوطنية، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية. ومع ذلك، يبقى التساؤل المطروح: هل يمكن للعرب التحرر من هذه القيود واستعادة قرارهم المستقل؟
العجز الداخلي: الأسباب والتداعيات
العجز الذي تعاني منه الدول العربية ليس مجرد عجز سياسي، بل هو أيضاً عجز في البنية الاجتماعية والاقتصادية. الأنظمة السياسية التي تستند في كثير من الأحيان إلى الحكم الفردي أو القبلي تفتقر إلى قاعدة شعبية تدعمها، ما يضعف قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة لصالح الأمة. كما أن الفساد المستشري في العديد من الدول يسهم في إضعاف مؤسسات الدولة ويجعلها عرضة للضغوط الخارجية.
على الصعيد الاقتصادي، تعتمد غالبية الدول العربية على مصادر محدودة، مثل النفط والغاز، مما يجعل اقتصاداتها هشّة أمام التقلبات العالمية. كما أن التوجه نحو استيراد معظم الاحتياجات الأساسية يجعل من الصعب تحقيق الاكتفاء الذاتي ويزيد من التبعية الاقتصادية.
التبعية للخارج: الأبعاد السياسية والاقتصادية
التبعية العربية للخارج ليست وليدة اللحظة، بل هي امتداد لتاريخ طويل من الاستعمار والتدخلات الأجنبية. فبعد انتهاء حقبة الاستعمار المباشر، استمرت الدول الكبرى في ممارسة نفوذها على المنطقة من خلال التلاعب بمصالحها الاقتصادية والسياسية. هذه التبعية تظهر جلياً في تحالفات بعض الدول مع قوى عالمية كبرى لتحقيق مصالح قصيرة الأمد، مما يؤدي إلى التضحية بالمصالح الوطنية والشعبية.
وفي المقابل، تعاني الدول العربية من عجز في بناء تحالفات داخلية قوية تعزز من استقلاليتها. غياب التنسيق العربي العربي وتفكك العلاقات الإقليمية ساهم في إضعاف الجبهة الداخلية للعالم العربي وجعلته أكثر عرضة للتدخلات الخارجية.
الطريق نحو التحرر: الإرادة والوعي الجماعي
التحرر من العجز والتبعية يتطلب إرادة سياسية قوية ووعي جماعي بأهمية استقلال القرار الوطني. يجب على الدول العربية أن تتبنى سياسات تعتمد على استثمار مواردها الداخلية وتنمية قدراتها الذاتية. كما أن تعزيز التكامل العربي على مختلف الأصعدة، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية، هو خطوة أساسية نحو تقليل الاعتماد على الخارج.
من جانب آخر، يتطلب الأمر إصلاحات جذرية في الأنظمة السياسية والاقتصادية، تهدف إلى تعزيز المشاركة الشعبية وتحقيق العدالة الاجتماعية. الإصلاحات التي تأتي من الداخل تكون دائماً أقوى وأدوم من تلك التي تفرض من الخارج.
وختاما لذلك فإن العرب اليوم بين العجز والتبعية، لكن الطريق نحو التحرر ليس مستحيلاً. هناك تجارب دولية أثبتت أن الإرادة الجماعية والقرارات المستقلة يمكن أن تغير مسار الأمم. المطلوب هو استعادة الثقة بالنفس والتمسك بالهوية العربية والعمل الجاد نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي. بدون ذلك، ستظل المنطقة عرضة للانقسامات والتبعية، لكن بالإرادة والاتحاد يمكن أن يُعاد للعرب مجدهم واستقلالهم.