زوجي الأعمى..
بقلم / أيمن صالح مكتب أدفو
نظرت من شرفة منزلها تراقب زوجها وهو ذاهب إلى عمله. انتظرت حتى يلتفت إليها ويبتسم أو يشير بيده مودعًا، ولكنه لم يفعل. تراجعت إلى الوراء وخيبة الأمل على وجهها. جلست على أريكتها وظلت تحدق في اللا شيء، وانتقلت بذكرياتها إلى ماضيها الذي أيقنت الآن أنه كان مضيئًا، ولكنها كانت عمياء حينها.
كانت متزوجة من رجل ضرير، وكان يحبها كل الحب. وهنا بدأ حديث النفس:
"أسعيدة أنتِ الآن، أيتها الحمقاء؟ لقد كان يحبكِ، يخاف عليكِ، ويعرف إن كنتِ حزينة أم سعيدة فقط من نبرة صوتكِ. كان دائم الابتسامة أمامكِ، يراكِ جميلة دون أن يراكِ. وبرغم عجزه، كان يحاول بقدر المستطاع أن يعوض هذا العجز بحنانه وحبه واحترامه لكِ.
أسعيدة أنتِ الآن؟ كنتِ تهينينه كثيرًا وتشعرينه بأنه عديم الفائدة، وكأنه المسؤول عن فقدان بصره. وبرغم كل هذا، كان يقابلك بابتسامة هادئة، يقوم من مكانه ليحسس الحائط ويجلس في غرفته، وأنتِ تسمعين أنينه وبكاءه. ثم يخرج إليكِ والابتسامة لا تزال على وجهه.
عندما كان يطلب منك أن تخرجا معًا، كان ردك الدائم: "لا، فأنا أخجل من نظرات العطف عندما ينظرون إلينا." وتركتيه يذهب وحده إلى الحديقة المجاورة للمنزل. كان دائمًا ينظر إلى الخلف ليشير إليك بيديه ويبتسم، ولكنكِ كنتِ تقابلينه بصمتكِ الدائم. ألا تعلمين أن الضرير يحب أن يسمع الناس؟ لأن كل ما تبقى له من متعة الحياة هو الطعام والسمع. لكنكِ عندما تتكلمين، كنتِ تسمعينه أسوأ العبارات. ومع ذلك، كان يأتيكِ بالورود من الحديقة ليعبر عما بداخله تجاهك، ولكنك كنتِ الجلاد، لا رحمة ولا حب في قلبك.
وهنا، اتخذتِ قرار الانفصال عنه. وعندما أخبرتِه بهذا القرار، فاضت عيناه بالدموع واجهش بالبكاء أمامكِ لأول مرة، فلم تسعفه ابتسامته هذه المرة من هول الصدمة. تركتيه وحيدًا وزدتِه فوق ظلامه حزنًا.
وتزوجتِ هذا الملعون عديم الإحساس فاقد المشاعر. فأنت بالنسبة له لا شيء، لا يراكِ إلا خادمة. تذهبين للشرفة كل يوم في انتظار أن يلتفت ويشير إليك كما كان يفعل زوجك الأول، ولكن لا حديث بينكما ولا يكن لك أي مشاعر. لا يعلم إن كنتِ حزينة أم سعيدة، ولا يطلب منكِ الخروج، فالعمل أهم منك.
ألا تذكرين عندما مرضتِ؟ من الذي سهر بجانبكِ طوال الليل وهو يواسيكِ، وكأنه يتألم لمرضكِ؟ أنسيتِ من كتب لكِ بيتًا باسمكِ خوفًا عليكِ إذا مات؟ أنسيتِ عندما كان يستيقظ في الصباح الباكر ويحاول جاهدًا أن يحضر لكِ فطوركِ، وكيف كنتِ تعاملينه بقسوة إذا وجدتِ أثر طعام على الأرض، وتقولين له: "ألا تفهم؟ أنت أعمى وغبي."
أدركتِ الآن من هو الأعمى والغبي؟"
نزلت دموعها، متحسرة ونادمة على ما كانت تفعله معه. استفاقت من ذكرياتها وانتفضت رعبًا، لأن زوجها إذا عاد من العمل ولم تحضر الطعام، ستكون مشكلة كبيرة. هنا قالت لنفسها بصوت مسموع: "هيا أيتها الخادمة، اذهبي إلى عملكِ، فزوجي لا يراني إلا هكذا."
الآن، علمت من هو الأعمى.
ودمتم سالمين.