recent
أخبار ساخنة

*عندما تحتفظ الروح بجرحها الأعمق*/ شيفاتايمز









 *عندما تحتفظ الروح بجرحها الأعمق*


حسين السمنودي 


في أعماق كل إنسان، هناك جزء من الروح يُحمل بين طياته قصة لم تُروَ، وقصة كهذه تُشكل عذاباتٍ دفينة تظل محبوسة بين طيات القلب، تتوسل للخروج دون أن تجد سبيلًا. تلك الحكايات تُشبه الجرائم غير المعلنة، حيث يتم دفن الأحاسيس الحية في قاع الذاكرة، وتُصبح تلك الذكريات المُعلنة هي السطح الظاهر، بينما يغمر الصمت أعماقنا.


عندما تحمل في داخلك قصة لم تُروَ، تعيش في عالم مزدوج، عالم يتطلع نحو السماء وتفتح أبوابه للآخرين، وآخر مظلم يختبئ فيه الألم. القصص التي نحجبها عن العالم لا تقتصر على كونها مجرد أحداث، بل هي صرخات مضغوطة، أحزان مُكَمَمة، وأحلام مكسورة. إنها تكمن هناك، تتراقص في الداخل كأشباح، تملأ كل زاوية من كيانك بصدى مؤلم.


تخيل لحظة تمثل فيها مزيجًا من الألم العميق والرفض العاطفي، حيث تُمثل قصتك المحتجزة جرحًا داخليًا لا يمكن علاجه، جرحًا لا يُرى، لكنه يضع بصمته في كل حركة، كل نظرة، وكل تنفس. تعيش هذه القصة في صمت عميق، تُحاصرها الألغاز وتغلفها الذكريات، بينما تظل التفسيرات مفتوحة على احتمالات لا تنتهي.


قد تكون قصتك قصة حب لم يُكتمل، شغف ضاع في زحام الحياة، أو مأساة فقدت ألوانها تحت ثقل الزمن. قد تكون الذكريات التي تحتفظ بها هي عبارة عن لحظات من الألم الذي لم يجد له مخرجًا، أو عن ضحكات لم يُسمع صداها. كل هذا، وكل ما يتبعه من مشاعر غير مفهومة، يظل محبوسًا في أعماقك كالسجن المعتم، حيث يتنازع الفرح والحزن في صراع داخلي لا يراه أحد سواك.


الصمت، في هذه الحالة، ليس مجرد غياب للكلمات بل هو انفجار داخلي. إنه انفجارٌ هادئ، لكنه يملأ قلبك ويُعبئه بالأحزان والآمال غير المحققة. كل لحظة تمر تُضيف إلى هذا الصمت، وكل ذكريات لم تُروَ تعزز من هذا الثقل الذي لا يُطاق. إن الألم الناتج عن عدم القدرة على مشاركة قصتك مع العالم هو نوع من العزلة العاطفية، حيث تُحرم من التواصل الكامل مع العالم الخارجي، وتظل مُعلقًا بين الكآبة والحزن، دون أمل حقيقي في التحرر.


ومع ذلك، قد يكون هذا الصمت أحيانًا نوعًا من الحماية. حماية لمشاعر قد تكون حساسة لدرجة لا تستطيع مواجهة العالم بها، أو حماية لذكريات قد تكون عذاباتها أعمق من أن يُفهمها الآخرون. إن عدم القدرة على رواية قصتك ليس نقصًا، بل هو تعبير عن احترامك لعالمك الداخلي، وهو تذكير لك بأنك إنسان يحمل أعماقًا غير مرئية، قد لا تُعبر عنها الكلمات ولكنها تُمثل جزءًا أساسيًا من هويتك.


في النهاية، تبقى القصص التي لا تُروى بمثابة اللغز العاطفي، تُذكرنا بأن هناك جوانب في الإنسان لا يمكن ملامستها إلا من خلال تذوق لحظات الصمت والإنعزال. تلك القصص، مهما كانت مُقفلة، تظل تلهمك وتُذكرك بأنك إنسان معقد، مليء بالأسرار والأحلام والمآسي، وأن قصتك، على الرغم من عدم روايتها، هي جزءٌ لا يتجزأ من وجودك.

google-playkhamsatmostaqltradent