recent
أخبار ساخنة

شنطة عم عوض... قصة قصيرة / شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS
الصفحة الرئيسية

 










شنطة عم عوض... 


بقلم / أيمن صالح



استيقظ عم عوض كعادته كل يوم من فوق سريره المتهالك المصنوع من جريد النخل. استخدم ما لديه من قوة لينزل من السرير ويقف على قدميه، محاولاً جاهداً فرد ظهره المنحني. ثم توجه إلى خارج داره البسيطة، التي تتكون من أربعة جدران متهالكة مسقوفة بأخشاب الأشجار وقش الأرز، مع نافذة مهددة بالسقوط وباب خشبي مليء بالثقوب.

ذهب عم عوض ليغسل وجهه عند الصنبور أمام بيته، الذي يستخدمه دائماً للوضوء وغسل أغراضه وطبقته الوحيدة. بعد أن انتهى من غسل وجهه وتوضأ ليصلي الفجر على سجادته المهترئة والمليئة بالرقع، لكنه يؤدي الغرض.


دخل إلى بيته وأخذ يتحسس تحت السرير حتى أخرج حقيبته الجلدية القديمة التي تعادل عمره. ثم أخرج منها بعض الأوراق القديمة وقصاصات الكتب والجرائد التي قد اصفر لونها، وتفقد باقي الجيوب حتى عثر على ما يبحث عنه: كتاب القرآن.


عم عوض هو محفظ قرآن القرية، يعيش وحيداً بعد وفاة زوجته، حيث لم ينجب منها، فوهب نفسه وما يملك من علم لتعليم أطفال القرية القرآن والمعلومات الدينية، وأحياناً المعلومات الثقافية والتربوية. الأطفال يعتبرونه قدوة ومثلاً أعلى، حتى إن الكبار يلجأون إليه للاستشارة لما يملكه من علم وحكمة وتجربة طويلة، فهو قد تجاوز السبعين ولكن ذاكرته ما زالت قوية. بعد أن أخرج المصحف، بدأ يقرأ بصوته الضعيف لكنه يتقن أحكام القراءة بدقة.


بعد أن انتهى من القراءة، أعد لنفسه فطوره المعتاد: كوب الشاي مع بعض الخبز اليابس. ثم ارتدى جلبابه الأبيض الناصع البياض وحذاءه البني المثقوب عند إصبعه وطاقيته البيضاء وسبحته الطويلة، وأخذ حقيبته الكبيرة التي لا تفارقه أينما ذهب، على الرغم من ثقلها.


بدأ عم عوض يمشي في طريق القرية بخطى ثابتة وبطيئة، متحدياً ضعف نظره وآلام ركبتيه وثقل حقيبته. وصل إلى مقره تحت شجرة الصفصاف، جلس فوق حصيرته تحت ظلال الشجرة، وقد أشرقت الشمس على المزارع والحقول، وكان الهواء عليلاً والسماء صافية وصوت جدول الماء وزقزوقة العصافير تضفي جمالاً إضافياً.


جلس عم عوض ينتظر طلابه، وجاء الأطفال مهرولين، يقفزون من هنا وهناك، ممسكين بمصاحفهم الصغيرة ومليئين بالبراءة والحيوية. اقتربوا من عم عوض، وانفرجت أساريره وانشرح قلبه، بينما حاول إخفاء ابتسامته، لأنه كان يعرف أن اليوم هو يوم التسميع ولا بد أن يكون صارماً معهم بعد أن أظهر عصاه كحافز للحفظ.


بدأ الأطفال يتقبلون رأس عم عوض وجلوسهم أمامه بأدب ورزانة. نظر إليهم عم عوض بتمعن ليتفقدهم واحداً تلو الآخر، وقال بصوته الهزيل: "أين الولد رشاد؟". أجاب أحد الأطفال: "رشاد، أمس تعرض لإصابة من الساقية ولا يستطيع المجيء اليوم يا عمي الشيخ." هز عم عوض رأسه قائلاً: "طيب، بعد العصر سأذهب لزيارته في منزله."


اعتبرهم عم عوض كأولاده، ولديه تفويض من أهالي القرية بالتصرف معهم كأبٍ لهم، وأحياناً يقصدونه لتأديبهم. الأطفال يخافون عندما يسمعون جملة: "طيب، إن لم تكن قد قلت للشيخ عوض، فسأجعلني أدبك."


بدأت القراءة، وهم يرددون وراءه: "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، صدق الله العظيم." انتهت قراءة اليوم، وبدأ الشيخ يوصيهم بعدم الكذب وعدم اللهو، بأن يسمعوا كلام أمهم وآبائهم، وأن يواظبوا على الدروس.


اقترب وقت الظهيرة، وازدادت حرارة الشمس. بدأ الأطفال يتجهزون للقيام، بعد أن ملوا من الجلوس. قال لهم عم عوض: "يلا، قوموا، يكفيكم اليوم." قبل أن ينهي كلامه، قفز الأطفال ليلعبوا في جدول الماء ويتراشقوا بالماء، ثم يعودوا إلى بيوتهم لتناول الطعام والراحة، حيث لا أحد يخرج من بيته وقت الظهيرة بسبب الحرارة الشديدة.


في طريقه إلى المنزل، تقابله النسوة ومعهن بعض الفطير والبيض والجبن الفلاحي، ويعطونه للشيخ، وكل واحدة توصي عليه بخصوص ابنها أو ابنتها. ترتسم على وجه عم عوض ابتسامة ولا يتحدث مع أحد. امتلأت حقيبته بالفطير والبيض والجبن. يعود عم عوض إلى بيته ليأكل مما في حقيبته، ثم يستعد لصلاة الظهر.


أذّن المؤذن: "الله أكبر، الله أكبر."


google-playkhamsatmostaqltradent