recent
أخبار ساخنة

...في صمت النخيل... (قصة قصيرة )

 









...في صمت النخيل...

                              (قصة قصيرة )


حسين السمنودي مدير مكتب الإسماعيليّة 


.  ..في إحدى القرى الصغيرة النائية في دلتا النيل، حيث تمتزج رائحة النخيل بالعطر الطبيعي للرياح، عاشت فتاة تُدعى "ليلى". كانت ليلى، ذات السبعة عشر ربيعاً، مشهورة بجمالها وبساطتها. كانت تحلم بأن تصبح معلمة، لكن القرية التي عاشت فيها لم تكن مكاناً يحتمل الأحلام الكبيرة، خاصةً للفتيات.


كان العرف السائد في القرية يحكم بشدة على أي تصرف يُعتبر مخالفاً لقوانين الشرف التقليدية. في تلك الأوقات، لم يكن هناك مكان للتسامح أو التفاهم. الأمور كانت تُحل بطريقتها الخاصة، دون اعتبار للعواقب.


عاشت ليلى مع والدتها ووالدها في كوخ صغير يطل على حقول النخيل الخضراء. كان والدها، "عبدالله"، رجلاً مهاباً في القرية، ولكنه كان قاسياً جداً في تعامله مع ما يُسمى بـ "خطأ الشرف". أما والدتها، "فاطمة"، فكانت امرأة هادئة، تنحني أمام تقاليد زوجها وتبذل جهدها لإبقاء الأمور هادئة قدر الإمكان.


في أحد الأيام، التقت ليلى بشاب يُدعى "أحمد" أثناء إحدى زياراته للقرية. كان أحمد طالباً في المدينة الكبرى، عائدًا إلى قريته لقضاء عطلة الصيف. وقع الحب بين ليلى وأحمد سريعاً، ولكن ذلك الحب كان يعني مصيرًا غير متوقع بالنسبة لهما.


على الرغم من محاولاتهم لإبقاء العلاقة سرية، إلا أن أخبارها تسربت بسرعة إلى أهل القرية. وبمجرد أن علم والد ليلى، اجتمع رجال القرية في مجلسهم واتخذوا قراراً سريعاً، دون أي نقاش أو رحمة. كانت العادات هي الحاكم الفعلي، والتقليد يفرض قراراته دون النظر إلى المشاعر أو القوانين الإنسانية.


في أحد الأيام المشؤومة، بدأ الموكب المظلم في طريقه إلى بيت ليلى. كان الصمت الثقيل يعم الأجواء، وجاء الرجال وهم يحملون معهم حقيبة ثقيلة من التراب. لم يكن هناك مجال للرفض أو النقاش. كانت ليلى، وهي تدرك تماماً ما ينتظرها، تقف صامتة في الحقل الذي لطالما حلمت بأن تصبح فيه معلمة.


تم دفنها في حفرة صغيرة، بينما كانت تتطلع إلى السماء التي كانت تضيء بآخر ضوء للشفق. كانت هناك صرخة غير مسموعة، وصمت رهيب يعم المكان، والريح التي تهمس في أشجار النخيل كأنها تحمل معها قصة لم تُروَ بعد.


ومع مرور الوقت، بدأت القلوب تتغير في القرية. كانت هناك نظرات تملؤها الحيرة من الأجيال الجديدة التي بدأت تسأل عن ليلى وتفكر في معنى الشرف والعقوبات القاسية. أصبح الحزن الذي خلفته ليلى دافعاً للتغيير في قلوب البعض.


ومع مرور السنين، بدأت الفتيات في القرية في تحدي القوانين القديمة، وبدأن يطالبن بتعليمهن وحقوقهن. وبدأت القرى المجاورة أيضًا في تبني أفكار جديدة، حيث بدأ الجيل الجديد ينظر إلى الماضي بتقدير وتحليل، ويتعلم من دروسه.


في النهاية، أصبحت ذكرى ليلى رمزا للتغيير والأمل. وعندما نُبِشَ القبر الذي دُفِنت فيه، وجدت زهرة بريّة تنمو فوقه، كأنها تروي قصة الأمل والإيمان بالمستقبل. أصبحت تلك الزهرة رمزًا لمجتمع بدأ في التعلم من ماضيه، وفتح أبواب الأمل للفتيات اللواتي يطمحن إلى تحقيق أحلامهن.


وتظل ليلى، رغم كل ما حدث، ذكرى عالقة في أذهان الجميع، تذكرهم بأهمية الرحمة والتفاهم، وتفتح الطريق للأجيال القادمة لتحقيق العدالة والكرامة

google-playkhamsatmostaqltradent