التعليم الفني: رمانة التقدم والاكتفاء
بقلم: السيد باجور
تدور عجلات السيارة حول مركزها، وهي صرة العجلة التي تتمركز فيما يسمى رمانة عجلة السيارة.
هذه الصرة هي مجموعة من الكرات المعدنية التي تُسمى "البلي"، والتي هي مثبتة في إطار يدور حوله عجل السيارة. هكذا يكون الحال بالنسبة للعلاقة بين التعليم الفني والتقدم والاكتفاء.
لا أحد ينكر ما يحمله هذا المقال في ثناياه وفي طياته من أن التعليم الفني، الذي هو رمانة أي نهضة، قد أصابه التلف والعوز البالغ منذ عقود طويلة.
لا ندري من المسئول ونتساءل: هل هناك طمس للحقائق أم أن الفكر نضب؟
فإن ذهبنا إلى أن هناك طمس للحقائق، فهذا لا يعقل لأن هذه "مصر"، ومصر أولاً وقبل كل شيء، ولا يمكن أن نتصور أن هناك من يكون جاحداً نحو أرض الكنانة.
وإن ذهبنا إلى أن الفكر نضب، فإننا أيضاً نرى أن مصر "ولادة" وأبنائها هم الذين جعلوا الحياة تدب وتخضر بهم الأرض في شتى بقاع الأرض وفي العلوم والمجالات، وها هي الدول الكبرى تستثمر العقول المصرية وتسارع في جذب العقول المصرية.
وكثيراً ما يطرق مسامعنا من عامة الناس في الشارع وفي المواصلات وفي كل حدب وصوب عبارة "التعليم الفني.. فاشل"، بل ويطلق على من يلتحقون بمدارس التعليم الفني أنهم "كذا.. وكذا.."
لكن الحقيقة المرة غير ذلك، لأن التعليم الفني هو عصب ورمانة الحياة. ولو أن التعليم الفني أُعير الاهتمام، لتغيرت أحوالنا، ولكنا في مصاف الدول المتقدمة، ونُصنع من الإبرة للصاروخ وليس العكس، حتى نرى في حياتنا اليومية "صُنع في..." بدلاً من أن يكون "صُنع في مصر".
إننا، كما أسلفنا، نؤكد ونقول أن العقل المصري لا يضارعه عقل آخر، ويشهد العالم أجمع على أن العقل المصري "عقل فذ"، والواقع يقول هذا. نعم، هذا البروفيسور الدكتور مجدي يعقوب، وهذا هو الأستاذ الدكتور فارق الباز، وهذا هو الأستاذ الدكتور أحمد زويل، وهذا هو العقاد وطه حسين وكثيرون نحن على يقين منهم.
تعالوا معنا إلى التعليم الثانوي الزراعي. فقد تخرج من مدارس التعليم الثانوي الزراعي في الماضي ملايين الخريجين من حملة دبلوم المدارس الثانوية الزراعية من أقسامها المختلفة من "دواجن ومحاصيل وحيوان وألبان..الخ".
بل وكان يطلق على مصر بلداً زراعياً، فكان هناك اكتفاء ذراعي في شتى مناحي الحياة من محاصيل ودواجن وحيوانات ومنتجات ألبان. وكان الناس في الماضي يشترون احتياجاتهم من منتجات المدارس الثانوية الزراعية ومنافذ البيع الخاص بها. لكن الآن طالب المدارس الثانوية الزراعية لا يجد العلم الذي يؤهله ليكون منتجاً غداً، فأصبح الطلاب غير مبالين لأنهم تعودوا على سماع أن طلاب المدارس الثانوية الزراعية "كذا.. وكذا..". وافتقدت المدارس الثانوية الزراعية الجانب العملي والجانب النظري.
كذلك بالنسبة لمدارس التعليم الثانوي الصناعي، كانت المدارس بمثابة مصانع صغيرة وكان الناس يشترون من المدارس قطع الأثاث والمصنوعات المختلفة، وتخرج من المدارس الثانوية الصناعية في الماضي من قادوا مصانع القطاع العام وغيرها، لكن الحال الآن أيضاً هو نفس حال طلاب المدارس الثانوية الزراعية.
والأغرب من كل هذا وذلك أن مدارس التعليم الفني أصبحت بمثابة "فندق" للاستراحة لكثير من المعلمين في مدارس التعليم الفني بالنسبة لبعض المواد الدراسية الهامة ومنها مثلاً مادة اللغة الإنجليزية، في حين أن اللغة الإنجليزية بالنسبة للمدارس الفنية هي بمثابة "رومانة البلي" بالنسبة للآلات والأجهزة لأن تكنولوجيا العصر تعتمد على البحث الذي يعتمد على تعلم اللغات الأجنبية وأولها الإنجليزية.
لقد تأخر طرح هذا الموضوع على الرغم من أنه كان يشغل تفكيرنا منذ عقود. ويرجع ذلك إلى الإحباط الذي ينتابنا من تهميش مثل هذه الأفكار، مما أدى إلى تأجيل طرحها.
ولكننا نرى أن نفس الفكرة لو أتت من شخص أجنبي ودُفع له مبالغ كبيرة، لكان قد تم النظر إليها على أنها صرخة جديدة في عالم الفكر والتجديد في البناء.
لكن لكون هذه الفكرة نابعة من الميدان، فإنها تواجه بفتور شديد، وكأن المثل القائل "مطرب الحي لا يطرب" ينطبق عليها تمامًا.
فهل توقعنا أن يصدق هذا المثل على أفكارنا أيضًا؟